شهيدة العشق الإلهى
صفحة 1 من اصل 1
شهيدة العشق الإلهى
عاشت رابعة العدوية عمرين، تبدلت أحوالها فيهما من النقيض إلى النقيض.
نشأت بالبصرة فى بيت شديد الفقر، حتى أنها حين ولدت وأراد أهلها أن
يدهنوا موضع خلاصها بالزيت على عادة أهل زمنها، لم يجدوا فى بيتهم قطرة
منه. خرج أبوها يسأل الجيران بعضه فلم يجيبوه، فانزوى فى حالة من الغم
والكرب حتى غلبه النوم، وبينما هو فى هذه الحالة ــ يقول فريد الدين العطار
ــ جاءه النبى فى منامه وطمأنه: «لاتحزن، هذه البنت الوليدة ستكون سيدة
جليلة القدر، وإن سبعين ألفا من أمتى ليرجون شفاعتها».
يمكن أن تصدق هذه الرواية ويمكن أن تعتبرها واحدة من الأساطير التى
اعتاد أن يسبغها المتصوفة على أهل الحظوة، لينسبوا إليهم كرامات تعلى من
قدرهم فى عيون محبيهم،لكن ما يعنينا هنا هو هذه الحال البائسة التى نشأت
فيها رابعة، والتى زاد من بؤسها وفاة أبيها وهى فى ريعان الصبا، وتفرقها عن
إخوتها الثلاثة، ثم بيعها بستة دراهم لسيد اعتاد أن يثقل عليها العمل
ويحملها ما لا تطيق، وهو ما اضطرها إلى الهرب، وبينما هى فى تيهها سمعت
صوتا يناجيها فى الفضاء الرحب: «لا تحزنى، فى يوم الحساب يتطلع المقربون من
السماء إليك ويحسدونك على ما ستكونين فيه».
كانت هذه هى الإشارة الأولى لما سيكون عليه النصف الثانى من حياتها، لكن
سيدها عثر عليها وعادت من جديد لحياتها الأولى، لكن شيئا ما كان يؤلمها
ويربك استمتاعها بما ألفته، وحاصرها الصوت الذى سمعته فى تيهها ليالى
طوالا، وفى إحدى الليالى التى اعتادت أن تخلو فيها إلى نفسها تشكو ضعفها
وقلة حيلتها، تلصص عليها سيدها، ورأى من ثقب الباب قنديلا معلقا فى الهواء
يلاحقها أينما ذهبت، فلما أصبح الصبح أعتقها، فودّعته وقررت من لحظتها أن
تنقطع للعبادة، لتبدأ النصف الثانى من حياتها.
يقول بعض المؤرخين أن قلب رابعة انطوى على حب كبير افتقدته، فلما غاب
عنها نذرت نفسها لله وكان هو حبيبها الذى تناجيه فى ليلها ونهارها، وكأنها
تخاطب حبيبا تستشعر لمساته وأنفاسه، تقول رابعة مخاطبة الله، حبيبها
الأسمى: «غفلت عيون الرقباء، وغلقت الملوك أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه،
وهذا مقامى بين يديك».
وتنشد حبيبها شعرا:
إنى جعلتك فى الفؤاد محدثى وأبحت جسمى من أراد جلوسى
فالجسم منى للجليس مؤانس وحبيب قلبى فى الفؤاد أنيسى
وتقول:
أحبك حبين: حب الهوى وحب لأنك أهل لذاك
فأما الذى هو حب الهوى فشغلى بذكرك عمّن سواك
وأما الذى أنت أهل له فكشفك لى الحجب حتى أراك
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لى ولكن لك الحمد فى ذا وذاك
كانت محبتها خالصة لوجه حبيبها، ليس خوفا من ناره ولا طمعا فى جنته،
تقول: يا إلهى إن كنت عبدتك خوفا من النار فأحرقنى فيها، أو طمعا فى الجنة
فحرّمها علىّ، وإن كنت لا أعبدك إلا من أجلك فلا تحرمنى من مشاهدة وجهك.
وكانت تقول لمن يريدون إعانتها على ما هى فيه من شظف العيش: إنى لأستحيى أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسأل من لا يملكها.
ولما سئلت كيف بلغت هذه المرتبة العالية من الحياة الروحية أجابت: بقولى
دائما، اللهم إنى أعوذ بك من كل ما يشغلنى عنك، ومن كل حائل يحول بينى
وبينك.
وحين توفيت رابعة فى عام 185 هجرية، رأى محبوها نورا يصعد من موضع جسدها المسجى، يعانق صفحة السماء.
نشأت بالبصرة فى بيت شديد الفقر، حتى أنها حين ولدت وأراد أهلها أن
يدهنوا موضع خلاصها بالزيت على عادة أهل زمنها، لم يجدوا فى بيتهم قطرة
منه. خرج أبوها يسأل الجيران بعضه فلم يجيبوه، فانزوى فى حالة من الغم
والكرب حتى غلبه النوم، وبينما هو فى هذه الحالة ــ يقول فريد الدين العطار
ــ جاءه النبى فى منامه وطمأنه: «لاتحزن، هذه البنت الوليدة ستكون سيدة
جليلة القدر، وإن سبعين ألفا من أمتى ليرجون شفاعتها».
يمكن أن تصدق هذه الرواية ويمكن أن تعتبرها واحدة من الأساطير التى
اعتاد أن يسبغها المتصوفة على أهل الحظوة، لينسبوا إليهم كرامات تعلى من
قدرهم فى عيون محبيهم،لكن ما يعنينا هنا هو هذه الحال البائسة التى نشأت
فيها رابعة، والتى زاد من بؤسها وفاة أبيها وهى فى ريعان الصبا، وتفرقها عن
إخوتها الثلاثة، ثم بيعها بستة دراهم لسيد اعتاد أن يثقل عليها العمل
ويحملها ما لا تطيق، وهو ما اضطرها إلى الهرب، وبينما هى فى تيهها سمعت
صوتا يناجيها فى الفضاء الرحب: «لا تحزنى، فى يوم الحساب يتطلع المقربون من
السماء إليك ويحسدونك على ما ستكونين فيه».
كانت هذه هى الإشارة الأولى لما سيكون عليه النصف الثانى من حياتها، لكن
سيدها عثر عليها وعادت من جديد لحياتها الأولى، لكن شيئا ما كان يؤلمها
ويربك استمتاعها بما ألفته، وحاصرها الصوت الذى سمعته فى تيهها ليالى
طوالا، وفى إحدى الليالى التى اعتادت أن تخلو فيها إلى نفسها تشكو ضعفها
وقلة حيلتها، تلصص عليها سيدها، ورأى من ثقب الباب قنديلا معلقا فى الهواء
يلاحقها أينما ذهبت، فلما أصبح الصبح أعتقها، فودّعته وقررت من لحظتها أن
تنقطع للعبادة، لتبدأ النصف الثانى من حياتها.
يقول بعض المؤرخين أن قلب رابعة انطوى على حب كبير افتقدته، فلما غاب
عنها نذرت نفسها لله وكان هو حبيبها الذى تناجيه فى ليلها ونهارها، وكأنها
تخاطب حبيبا تستشعر لمساته وأنفاسه، تقول رابعة مخاطبة الله، حبيبها
الأسمى: «غفلت عيون الرقباء، وغلقت الملوك أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه،
وهذا مقامى بين يديك».
وتنشد حبيبها شعرا:
إنى جعلتك فى الفؤاد محدثى وأبحت جسمى من أراد جلوسى
فالجسم منى للجليس مؤانس وحبيب قلبى فى الفؤاد أنيسى
وتقول:
أحبك حبين: حب الهوى وحب لأنك أهل لذاك
فأما الذى هو حب الهوى فشغلى بذكرك عمّن سواك
وأما الذى أنت أهل له فكشفك لى الحجب حتى أراك
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لى ولكن لك الحمد فى ذا وذاك
كانت محبتها خالصة لوجه حبيبها، ليس خوفا من ناره ولا طمعا فى جنته،
تقول: يا إلهى إن كنت عبدتك خوفا من النار فأحرقنى فيها، أو طمعا فى الجنة
فحرّمها علىّ، وإن كنت لا أعبدك إلا من أجلك فلا تحرمنى من مشاهدة وجهك.
وكانت تقول لمن يريدون إعانتها على ما هى فيه من شظف العيش: إنى لأستحيى أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسأل من لا يملكها.
ولما سئلت كيف بلغت هذه المرتبة العالية من الحياة الروحية أجابت: بقولى
دائما، اللهم إنى أعوذ بك من كل ما يشغلنى عنك، ومن كل حائل يحول بينى
وبينك.
وحين توفيت رابعة فى عام 185 هجرية، رأى محبوها نورا يصعد من موضع جسدها المسجى، يعانق صفحة السماء.
مستر مهند- عضو مجتهد
- عدد المساهمات : 368
نقاط : 1144
تاريخ التسجيل : 12/09/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى