حصّالتي ( قصة )
صفحة 1 من اصل 1
حصّالتي ( قصة )
حصّالتي ( قصة )
صباح كل يوم يوزّع أبي، علينا، حصتنا من النّقود المعدنية قبل ذهابنا إلى المدرسة، ويكرّر نصيحته التي حفظناها عن ظهر قلب:
-"اشتروا أشياء مفيدة".
وكان كلٌّ منّا يسعد جداً عندما يضع النقود في جيبه، ويرسم في ذهنه مغامرة صغيرة تناسب قيمة هذه القطع!
-"سأشتري الطّباشير الملونة، وأقدّمها للمعلمة".
-"سأشتري صحناً من الفول من أبي محمود"…
لكن أخي وائلِ كان يسرع إلى المكتبة الخشبية، التي وضع، على أسفل رفٍ منها،
حصالته التي أهدتها إليه أمُّنا! فنسمع صوت القطع النقدية المعدنية
المتساقطة في الحصّالة، وكان هذا يثيرني حقّاً! وأتساءل: "لِمَ يستطيع وائل
الصّغير أنْ يوفّر نقوده، ولا تغريه بالشراء من دكّان البقال؟!" وكثيراً
ما شعرتُ بالحسد والإعجاب بقدرته على الصبر بتوفير (خرجيته) بينما، نحن
الكبار، لا نستطيع مقاومة إغراء الحلوى اللذيذة، والأشياء الجميلة التي
تلمعُ خلفَ زجاج المعارض التجارية؛ وقررتُ مرّة أنْ أشتري حصّالة وقلت في
نفسي:
-"سأضعُ فيها كلَّ ما أحصلُ عليه من نقودٍ منْ أبي وأمّي وجدتي".
ولكنني لم أستطعْ شراء الحصّالة؛ فقد تبخّرت نقودي قبل أن أدخل باحة
المدرسة، لأنّ البخار المتصاعد من عربة العم أبي محمود، بائع الفول حرّك
الرّغبة داخلي؛ أن أتذوق طعم الفول مع الحمض؛ وشعرت بالنّدم ولكن بعد فوات
الأوان، وشغلني ذلك كثيراً، حتّى أني شردتُ أثناء شرح الدّرس ونبهني
المعلم:
-"مالكَ ياربيع.. هل تشعرُ بشيء؟ ماذا يشغلُ ذهنك هذا اليوم؟".
وشعرتُ بخجلٍ شديدٍ، وحسبت أن كلّ زملائي ينظرون إليّ!
وفي البيت قلت لأمّي: "ماما.. أريد حصالة كحصّالة وائل".
لاحظت أمّي علامات الانزعاج باديةً على وجهي فقالت:
-"هل هذا ما يشغل بالك ويزعجك؟".
قلت: "سأحاول أن أوفّر مثل وائل".
ابتسمت أمّي قائلةً:
-"لا تقلقْ.. سيكون لك حصّالةٌ هذا اليوم وقبل مغيب الشّمس".
فعلاً، لقد برّتْ أمّي بوعدها، واشترتْ لي حصالةً تشبه حصالة وائل، لكنها
تختلف باللون! حملتُ الحصالة بيدين مرتعشتين؛ وكأنّي أحمل كنزاً! ودارت في
ذهني أحلام كثيرة..
-"ستمتلئ حصّالتي بالنقود.. وسأشتري ما أشتهي من الألعاب والحلوى..
سأشارك في الرّحلة المدرسية دون أن أكلّف أبي دفع المبلغ المطلوب.. سأصلح دراجتي المعطّلة، وألعب بها في أوقات فراغي".
وتوالتِ الأفكار والأحلام.. كانت أمّي تراقبُ انفعالاتي البادية على وجهي والابتسامة تضيء وجهها!
قالت وهي تعطيني عدّة قطع من النقود المعدنية:
-"ضعْ هذه النقود في حصّالتك الجديدة، وحاولْ أن تضيف إليها كلّ صباح".
أسقطت القطع النقدية داخل حصالتي قطعةً قطعةً بينما كانت تدور صور كثيرة في
مخيلتي.. دراجتي التي تنتظر الإصلاح، الرحلة المدرسية.. عربة الفول
والبخار المتصاعد منها، القصص المصورة في واجهة المكتبة القريبة من بيتنا!
اختلطت كلّ هذه الصّور وأنا أضع حصّالتي الجديدة إلى جانب حصّالة أخي وائل!
===================
صباح كل يوم يوزّع أبي، علينا، حصتنا من النّقود المعدنية قبل ذهابنا إلى المدرسة، ويكرّر نصيحته التي حفظناها عن ظهر قلب:
-"اشتروا أشياء مفيدة".
وكان كلٌّ منّا يسعد جداً عندما يضع النقود في جيبه، ويرسم في ذهنه مغامرة صغيرة تناسب قيمة هذه القطع!
-"سأشتري الطّباشير الملونة، وأقدّمها للمعلمة".
-"سأشتري صحناً من الفول من أبي محمود"…
لكن أخي وائلِ كان يسرع إلى المكتبة الخشبية، التي وضع، على أسفل رفٍ منها،
حصالته التي أهدتها إليه أمُّنا! فنسمع صوت القطع النقدية المعدنية
المتساقطة في الحصّالة، وكان هذا يثيرني حقّاً! وأتساءل: "لِمَ يستطيع وائل
الصّغير أنْ يوفّر نقوده، ولا تغريه بالشراء من دكّان البقال؟!" وكثيراً
ما شعرتُ بالحسد والإعجاب بقدرته على الصبر بتوفير (خرجيته) بينما، نحن
الكبار، لا نستطيع مقاومة إغراء الحلوى اللذيذة، والأشياء الجميلة التي
تلمعُ خلفَ زجاج المعارض التجارية؛ وقررتُ مرّة أنْ أشتري حصّالة وقلت في
نفسي:
-"سأضعُ فيها كلَّ ما أحصلُ عليه من نقودٍ منْ أبي وأمّي وجدتي".
ولكنني لم أستطعْ شراء الحصّالة؛ فقد تبخّرت نقودي قبل أن أدخل باحة
المدرسة، لأنّ البخار المتصاعد من عربة العم أبي محمود، بائع الفول حرّك
الرّغبة داخلي؛ أن أتذوق طعم الفول مع الحمض؛ وشعرت بالنّدم ولكن بعد فوات
الأوان، وشغلني ذلك كثيراً، حتّى أني شردتُ أثناء شرح الدّرس ونبهني
المعلم:
-"مالكَ ياربيع.. هل تشعرُ بشيء؟ ماذا يشغلُ ذهنك هذا اليوم؟".
وشعرتُ بخجلٍ شديدٍ، وحسبت أن كلّ زملائي ينظرون إليّ!
وفي البيت قلت لأمّي: "ماما.. أريد حصالة كحصّالة وائل".
لاحظت أمّي علامات الانزعاج باديةً على وجهي فقالت:
-"هل هذا ما يشغل بالك ويزعجك؟".
قلت: "سأحاول أن أوفّر مثل وائل".
ابتسمت أمّي قائلةً:
-"لا تقلقْ.. سيكون لك حصّالةٌ هذا اليوم وقبل مغيب الشّمس".
فعلاً، لقد برّتْ أمّي بوعدها، واشترتْ لي حصالةً تشبه حصالة وائل، لكنها
تختلف باللون! حملتُ الحصالة بيدين مرتعشتين؛ وكأنّي أحمل كنزاً! ودارت في
ذهني أحلام كثيرة..
-"ستمتلئ حصّالتي بالنقود.. وسأشتري ما أشتهي من الألعاب والحلوى..
سأشارك في الرّحلة المدرسية دون أن أكلّف أبي دفع المبلغ المطلوب.. سأصلح دراجتي المعطّلة، وألعب بها في أوقات فراغي".
وتوالتِ الأفكار والأحلام.. كانت أمّي تراقبُ انفعالاتي البادية على وجهي والابتسامة تضيء وجهها!
قالت وهي تعطيني عدّة قطع من النقود المعدنية:
-"ضعْ هذه النقود في حصّالتك الجديدة، وحاولْ أن تضيف إليها كلّ صباح".
أسقطت القطع النقدية داخل حصالتي قطعةً قطعةً بينما كانت تدور صور كثيرة في
مخيلتي.. دراجتي التي تنتظر الإصلاح، الرحلة المدرسية.. عربة الفول
والبخار المتصاعد منها، القصص المصورة في واجهة المكتبة القريبة من بيتنا!
اختلطت كلّ هذه الصّور وأنا أضع حصّالتي الجديدة إلى جانب حصّالة أخي وائل!
===================
مستر مهند- عضو مجتهد
- عدد المساهمات : 368
نقاط : 1144
تاريخ التسجيل : 12/09/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى