ابن خلدون.....
صفحة 1 من اصل 1
ابن خلدون.....
ابن خلدون
ابن خلدون (الاسم الكامل : ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد
بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون)
الحضرمي)(غرة رمضان732هـ/27 مايو1332 - 19 مارس1406م/26 رمضان808هـ) مؤسس
علم الاجتماع ومؤرخ عربي مسلم من إفريقية في عهد الحفصيين و هي تونس حاليا
ترك تراثا مازال تأثيره ممتدا حتى اليوم . ولد ابن خلدون في تونس عام 1332م
(732هـ) بالدار الكائنة بنهج تربة الباي رقم 34 . أسرة ابن خلدون أسرة علم
وأدب ، فقد حفظ القرآن الكريم في طفولته ، وكان أبوه هو معلمه الأول [1],
شغل أجداده في الأندلسوتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه
ونفوذ، نزح أهله من الأندلس في أوساط القرن السابع الهجري, وتوجهوا إلى
تونس حاضرة العلوم آنذاك[بحاجة لمصدر], وكان قدوم عائلته إلى تونس خلال حكم
دولة الحفصيين . ينتهى نسبه بالصحابى وائل بن حجر الحضرمي الذى كان النبى
صلى الله عليه وسلم قد دعا له :
"اللهم بارك في وائل بن حجر وبارك في ولده وولد ولده إلى يوم القيامة"
حياته
قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة
بقلعة أولاد سلامةبالجزائر, وعمل بالتدريس ، في جامع الزيتونة بتونس وفي
المغرب بجامع القرويين في فاس الذي أسسته الأختان الفهري القيروانيتان
وبعدها في الجامع الأزهربالقاهرة ، مصروالمدرسة الظاهرية وغيرهم [2]. وفي
آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيها متميزا خاصة أنه سليل
المدرسة الزيتونية العريقة و كان في طفولته قد درس بمسجد القبة الموجود قرب
منزله سالف الذكر المسمى "سيد القبّة" . توفي في القاهرة سنة 1406 م
(808هـ) . ومن بين أساتذته الفقيه الزيتوني الإمام ابن عرفة حيث درس بجامع
الزيتونة المعمور ومنارة العلوم بالعالم الإسلامي آنذاك .
يعتبر ابن خلدون أحد العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية, فهو مؤسس
علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة, وقد توصل إلى نظريات باهرة في
هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية, وبناء الدولة و أطوار
عمارها وسقوطها . وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقاً بعدة قرون
عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسي أوجست كونت .
عدّدَ المؤرخون لابن خلدون عدداً من المصنفات في التاريخوالحسابوالمنطق غير
أن من أشهر كتبه كتاب بعنوان العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب
والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر, وهو يقع في سبعة مجلدات
وأولها المقدمة وهي المشهورة أيضاً بمقدمة ابن خلدون, وتشغل من هذا الكتاب
ثلثه, وهي عبارة عن مدخل موسع لهذا الكتاب وفيها يتحدث ابن خلدون ويؤصل
لآرائه في الجغرافياوالعمرانوالفلك وأحوال البشر وطبائعهم والمؤثرات التي
تميز بعضهم عن الآخر .
اعتزل ابن خلدون الحياة بعد تجارب مليئة بالصراعات والحزن على وفاة أبويه
وكثير من شيوخه إثر وباء الطاعون الذي انتشر في جميع أنحاء العالم سنة
749هجرية (1348 م)وتفرغ لأربعة سنوات في البحث والتنقيب في العلوم
الإنسانية معتزلا الناس في سنينه الأخيرة، ليكتب سفره الخالد أو ما عرف
بمقدمة أبن خلدون ومؤسسا لعلم الاجتماع بناء على الاستنتاج والتحليل في قصص
التاريخ وحياة الإنسان. واستطاع بتلك التجربة القاسية أن يمتلك صرامة
موضوعية في البحث والتفكير.
علم التاريخ
لقد تجمعت في شخصية ابن خلدون العناصر الأساسية النظرية و العملية التي
تجعل منه مؤرخا حقيقيا- رغم أنه لم يول في بداية حياته الثقافية عناية خاصة
بمادة التاريخ-ذلك أنه لم يراقب الأحداث و الوقائع عن بعد كبقية المؤرخين ،
بل ساهم إلى حد بعيد و من موقع المسؤلية في صنع تلك الأحداث و الوقائع
خلال مدة طويلة من حياته العملية تجاوزت 50 عاما، و ضمن بوتقة جغرافية
انتدت من الاندلس و حتى بلاد الشام . فقد استطاع ،و لأول مرة ، (اذا
استثنينا بعض المحاولات البسيط هنا و هناك ) أن يوضح أن الوقائع التاريخية
لا تحدث بمحض الصدفة أو بسبب قوى خارجية مجهولة ، بل هي نتيجة عوامل كامنة
داخل المجتمعات الانسانية، لذلك انطلق في دراسته للأحداث التاريخية من
الحركة الباطنية الجوهرية للتاريخ.فعلم التاريخ ، و ان كان ((لايزيد في
ظاهره لا يزيد عن أخبار الايام و الدول ) انما هو ((في باطنه نظر و تحقيق و
تعليل لكائنات و مبادئها دقيق و علم بكيفيات الوقائع و اسبابها عميق ،
لذلك فهو أصيل في الحكمة عريق ، و جدير بأن يعد في علومها و خليق(المقدمة).
فهو بذلك قد اتبع منهجا في دراسة التاريخ يجعل كل أحداثه ملازمة
للـ((العمران البشري)) و تسير وفق قانون ثابت. يقول: ((فالقانون في تمييز
الحق من الباطل في الأخبار بالامكان و الاستحالة أن ننظر في الاجتماع
البشري الذي هو العمران و نميز ما يلحقه لذاته و بمقتضى طبعه و ما يكون
عارضا لا يعتد به و ما لايمكن أن يعرض له ، و إذا فعلنا ذلك ، كان ذلك لنا
قانونا في تمييز الحق من الباطل في الاخبار ، و الصدق من الكذب بوجه برهان
لا مدخل للشك فيه ، و حينئذ فاذا سمعنا عن شئ من الاحوال الواقعة في
العمران علمنا ما نحكم بقبوله مما نحكم بتزييفه، و كان ذلك لنا معيارا
صحيحا يتحرى به المؤرخون طريق الصدق و الصواب فيما ينقلونه)).(المقدمة) و
هكذا فهو و ان لم يكتشف مادة التاريخ فانه جعلها علما و وضع لها فلسفة و
منهجا علميا نقديا نقلاها من عالم الوصف السطحي و السرد غير المعلل إلى
عالم التحليل العقلاني و الاحداث المعللة بأسباب عامة منطقية ضمن ما يطلق
عليه الآن الـ(الحتمية التاريخية)، و ذلك ليس ضمن مجتمعه فحسب، بل في كافة
المجتمعات الانسانية و في كل العصور ، و هذا ما جعل منه أيضا و بحق أول من
اقتحم ميدان ما يسمى بتاريخ الحضارات أو التاريخ المقارن.((إني أدخل
الأسباب العامة في دراسة الوقائع الجزئية ، و عندئذ أفهم تاريخ الجنس
البشري في إطار شامل ...اني ابحث عن الاسباب و الأصول للحوادث السياسية )).
كذلك قوله(( داخلا من باب الاسباب على العموم على الاخبار الخصوص فاستوعب
أخبار الخليقة استيعابا ...و أعطي الحوادث علة أسبابا )).
علم الاجتماع
أصبح من المسلم به تقريبا في مشارق الارض و مغاربها ، أن ابن خلدون هو مؤسس
علم الاجتماع أو علم ((العمران البشري)) كما يسميه. و قد تفطن هو نفسه
لهذه الحقيقة عندما قال في مقدمته التي خصصها في الواقع لهذا العلم
الجديد(... و هذا هو غرض هذا الكتاب الأول من تأليفنا...))، و هو علم
مستقل بنفسه موضوعه((...العمران البشري و الاجتماع الانساني ))، كما أنه
علم يهدف إلى (( بيان ما يلحقه من العوارض و الأحوال لذاته واحدة بعد أخرى،
و هذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أم عقليا )(و اعلم) أن الكلام في
هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة، أعثر عليه البحث و أدى
اليه الغوص... و كأنه علم مستبط النشأة ، و لعمري لم أقف على الكلام في
منحاه لأحد من الخليقة ))(المقدمة). و يبدو واضحا ان اكتشاف ابن خلدون لهذا
العلم قاده اليه منهجه التاريخي العلمي الذي ينطلق من أن الظواهر
الاجتماعية تخضع لقوانين ثابتة و أنها ترتبط ببعضها ارتباط العلة
بالمعللول، فكل ظاهرة لها سبب و هي في ذات الوقت سبب لللظاهرة التي تليها .
لذلك كان مفهوم العمران البشري عنده يشمل كل الظواهر سواء كانت
سكانية(ديمغرافية)،اجتماعية، سياسية، اقتصادية أو ثقافية. فهو يقول في ذلك
(فهو خبر عن الاجتماع الانساني الذي هو عمران العالم و ما يعرض لطبيعة
هذا العمران من الأحوال مثل التوحش و التأنس و العصبيات و أصناف التغلبات
للبشر بعضهم على بعض، و ما ينشأ عن الكسب و العلوم و الصنائع و سائر ما
يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الاحوال.(المقدمة)،و هنا يلامس أيضا نظرية
النشوء و الارتقاء لدى داروين و ان لم يغص فيها .ثم أخذ في تفصيل كل تلك
الظواهر مبينا أسبابها و تنائجها، مبتدئا بأن بإيضاح أن الانسان لا يستطيع
العيش بمعزل عن أبناء جنسه حيث( ان الاجتماع الانساني ضروري )) فـ((
الانسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية ... و هو
معنى العمران )). ثم تعرض للعمران البشري على العموم مبينا أثر البيئة في
الكائنات البشرية و هو مايدخل حاليا في علم الاتنولوجيا و الانثروبولوجيا .
ثم بعد ذلك تطرق لأنواع العمران البشري تبعا لنمط حياة البشر و أساليبهم
الانتاجية (ان اختلاف الأجيال في أحوالهم انما هو باختلاف نحلتهم في
المعاش )) مبتدئا بالعمران البدوي باعتباره اسلوب الانتاج الأولي الذ لا
يرمي إلى لكثر من تحقيق ما هو ضروري للحياة ((...ان اهل البدو المنتحلون
للمعاش الطبيعي ... و انهم مقتصرون على الضروري الاقوات و الملابس و
المساكن و سائر الأحوال و العوائد)).(المقدمة) ثم يخصص الفصل الثالث من
المقدمة للدول و الملك و الخلافة و مراتبها و أسباب و كيفية نشوئها و
سقوطها، مؤكدا أن الدعامة الأساسية للحكم تكمن في العصبية . و العصبية عنده
أصبحت مقولة اجتماعية احتلت مكانة بارزة في مقدمته حتى اعتبرها العديد من
المؤرخين مقولة خلدونية بحتة، و هم محقون في ذلك لأن ابن خلدون اهتم بها
اهتماما بالغا إلى درجة أنه ربط كل الاحداث الهامة و التغييرات الجذرية
التي تطرأ على ((العمران البدوي)) أو ((العمران الحضري )) بوجود أو فقدان
العصبية. كما أنها في رأيه المحور الأساسي في حياة الدول و الممالك. و يطنب
ابن خلدون في شرح مقولته تلك ، مبينا أن ((العصبية نزعة طبيعية في البشر
مذ كانوا))، ذلك أنها تتولد من النسب و القرابة و تتوقف درجة قوتها أو
ضعفها على درجة قرب النسب أو بعده. ثم يتجاوز نطاق القرابة الضيقة المتمثلة
في العائلة و يبين أن درجة النسب قد تكون في الولاء للقبيلة و هي العصبية
القبلية((... و من هذا الباب الولاء و الحلف اذ نصرة كل أحد من أحد على أهل
ولائه و حلفه للألفة التي تلحق النفس في اهتضام جارها أو قريبها أو نسيبها
بوجه من وجوه النسب ، و ذلك لأجل اللحمة الحاصلة من الولاء )). أما اذا
اصبح النسب مجهولا غامضا و لم يعد واضحا في أذهان الناس، فإن العصبية تضيع و
تختفي هي أيضا.((... بمعنى أن النسب اذا خرج عن الوضوح انتفت النعرة التي
تحمل هذه العصبية، فلا منفعة فيه حينئذ )). هذا ولا يمكن للنسب أن يختفي و
يختلط في ((العمران البدوي ))، و ذلك أن قساوة الحياة في البادية تجعل
القبيلة تعيش حياة عزلة و توحش ، بحيث لا تطمح الأمم في الاختلاط بها و
مشاركتها في طريقة عيشها النكداء، وبذلك يحافظ البدو على نقاوة أنسابهم ، و
من ثم على عصبيتهم. ((... الصريح من النسب انما يوجد للمتوحشين في القفر
... و ذلك لما اختصوا به من نكد العيش و شظف الأحوال و سوء الموطن ، حملتهم
عليها الضرورة التي عينت لهم تلك القسمة... فصار لهم ألفا و عادة، و ربيت
فيهم أجيالهم ... فلا ينزع اليهم أحدا من الأمم أن يساهم في حالهم، و لا
يأنس بهم أحد من الأجيال ... فيؤمن عليهم لأجل ذلك منت اختلاط انسابهم و
فسادها )). أما اذا تطورت حياتهم و أصبحوا في رغد العيش بانضمامهم إلى
الأرياف و المدن، فإن نسبهم يضيع حتما بسبب كثرة الاختلاط و يفقدون بذلك
عصبيتهم.((... ثم يقع الاختلاط في الحواضر مع العجم و غيرهم و فسدت الانساب
بالجملة ثمرتها من العصبية فاطرحت ثم تلاشت القبائل و دثرت فدثرت العصبية
مدثورها و بقي ذلك في البدو كما كان )). و هكذا نخلص للقول في هذا الصدد
بأن العصبية تكون في (( العمران البدوي )) و تفقد في (( العمران الحضري )).
العصبية و السلطة في مرحلة العمران البدوي
و بعد أن تعرض ابن خلدون لمفهوم العصبية و أسبا وجودها أو فقدانها، انتقل
إلى موضوع حساس و هام ، مبينا دور العصبية فيه ، ألا و هو موضوع
((الرئاسة)) الذي سيتطور في ((العمران الحضري )) إلى مفهوم الدولة.فاثناء
مرحلة ((العمران البدوي)) يوجد صراع بين مختلف العصبيات على الرئاسة ضمن
القبيلة الواحدة، أي ضمن العصبية العامة حيث (..ان كل حي أو بطن من
القبائل، و ان كانوا عصابة واحدة لنسبهم العام ، ففيهم أيضا عصبيات أخرى
لأنساب خاصة هي أشد التحاما من النسب العام لهم مثل عشير واحد أو أهل بيت
واحد أو أخوة بني أب واحد ، لا مثل بني العم الأقربين أو الأبعدين ، فهؤلاء
أقعد بنسبهم المخصوص ، و يشاركون من سواهم من العصائب في النسب العام ،و
النعرة تقع من أهل نسبهم المخصوص و من أهل النسب العام، ألا أنها في النسب
الخاص أشد لقرب اللحمة)). و من هنا ينجم التنافس بين مختلف العصبيات الخاصة
على الرئاسة ، تفوز فيه بطبيعة الحال العصبة الخاصة الأقوى التي تحافظ على
الرئاسة إلى أن تغلبها عصبة خاصة أخرى و هكذا.((...و لما كانت الرئاسة
انما تكون بالغلب، وجب أن تكون عصبة ذلك النصاب (أي أهل العصبية الخاصة)
أقوى من سائر العصبيات ليقع الغلب بها و تتم الرئاسة لأهلها... فهذا هو سر
اشتراط الغلب في العصبة، ومنه تعين استمرار الرئاسة في النصاب المخصوص)). و
يحدد ابن خلدون مدة وراثة الرئاسة ضمن العصبية القوية بأربعة أجيال على
العموم ، أي بحوالي 120 سنة في تقديره.((ذلك بأن باني المجد عالم بما عاناه
في بنائه و محافظ على الخلال التي هي سبب كونه و بقائه ، و بعده ابن مباشر
لأبيه قد سمع منه ذلك و أخذ عنه، ألا أنه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشئ
عن المعاين له ثم إذى جاء الثالث كان حظه في الاقتفاء و التقليد خاصة فقصر
عن الثاني تقصير المقلد عن المجتهد ثم اذا جاء الرابع قصر عن طريقتهم جملة و
أضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم و احتقرها و توهم أن أمر ذلك البنيان لم
يكن بمعاناة و لاتكلف ، و إنما هو أمر واجب لهم منذ أول النشأة بمجرد
انتسابهم و ليس بعصبية... و اعتبار الأربعة من الأجيال الأربعة بان و مباشر
و مقلد و هادم )).و بذلك ينهي ابن خلدون نظريته المتعلقة باسلطة اثناء
مرحلة ((العمران البدوي)) و يخلص إلى نتيجة أن السلطة في تلم المرحلة مبنية
أساسا على العصبية بحيث لا يمكن أن تكون لها قائمة بدونها.
العصبية و السلطة في العمران الحضري
انطلاقا من نظريته السابقة المتعلقة بدور العصبية في الوصول إلى الرئاسة في
المجتمع البدوي ، واصل ابن خلدون تحليله على نفس النسق فيما يتعلق بالسلطة
في المجتمع الحضري مبينا أن العصبية الخاصة بعد استيلائها على الرئاسة
تطمح إلى ما هو أكثر ، أي إلى فرض سيادتها على قبائل أخرى بالقوة ، و عن
طريق الحروب و التغلب للوصول إلى مرحلة الملك ((... و هذا التغلب هو الملك ،
و هو أمر زائد على الرئاسة... فهو التغلب و الحكم بالقهر ، و صاحبالعصبية
إذا بلغ رتبة طلب ما فوقها)). معتمدا في تحقيق ذلك أساسا و بالدرجة الأولى
على العصبية حيث إن ((الغاية التي تجري اليها العصبية هي الملك )). فهذه
اذن المرحلة الأولى في تأسيس الملك أو الدولة ، و هي مرحلة لا تتم الا من
خلال العصبية. و بالوصول إلى تلك المرحلة يبدأ ((العمران الحضري )) شيئا
فشيئا و تصبح السلطة الجديدة تفكر في تدعيم وضعها آخذة بعين الاعتبار جميع
العصبيات التابعة لها، و بذلك فانها لم تعد تعتمد على عامل النسب بل على
عوامل اجتماعية و أخلاقية جديدة ، يسميها اب خلدون ((الخلال)). و هنا تدخل
الدولة في صراع مع عصبيتها ، لأن وجودها أصبح يتنافى عمليا مع وجود تلك
العصبية التي كانت في بداية الأمر سببا في قيامها،(يتراءى لنا مبدأ نفي
النفي في المادية الجدلية<اضافة رابط المادية الجدلية ان وجد>). و مع
نشوء يتخطى الملك عصبيته الخاصة ، و يعتمد على مختلف العصبيات. و بذلك
تتوسع قاعدة الملك و يصبح الحاكم أغنى و أقوى من ذي قبل، بفضل توسع قاعدة
الضرائب من ناحية ، و الأموال التي التي تدرها الصناعات الحرفية التي التي
تنتعش و تزدهر في مرحلة ((العمران الحضري)) من ناحية أخرى. ولتدعيم ملكه
يلجأ إلى تعويض القوة العسكرية التي كانت تقدمها له العصبية الخاصة أو
العامة(القبيلة) بانشاء جيش من خارج عصبيته، و حتى من عناصر أجنبية عن
قومه، و إلى اغراق رؤساء قبائل البادية بالأموال ، و بمنح الإقطاعات كتعويض
عن الامتيازات السياسية التي فقدوها. و هكذا تبلغ الدولة الجديدة قمة
مجدها في تلك المرحلة، ثم تأخذ في الانحدار حيث أن المال يبدأ في النفاذ
شيئا فشيئا بسبب كثرة الانفاق على ملذات الحياة و الترف و الدعة. و على
الجيوش و مختلف الموظفين الذين يعتمد عليهم الحكم. فيزيد في فرض الضرائب
بشكل مجحف ، الشئ الذي يؤدي إلى إضعاف المنتجين، فتتراجع الزراعة و تنقص
حركة التجارة، و تقل الصناعات ، و تز داد النقمة و بذلك يكون الحكم قد دخل
مرحلة بداية النهاية ، أي مرحلة الهرم التي ستنتهي حتما بزواله و قيام ملك
جديد يمر بنفس الأطوار السابقةاغلتي يجملها اب خلدون في خمسة أطوار . ((...
و حالات الدولة و أطوارها لا تعدو في الغالب خمسة أطوار. -الطور الاول طور
الظفر بالبغية، و غلب المدافع و الممانع، و الاستيلاء على الملك و انتزاعه
من أيدي الدولة السالفة قبلها.فيكون صاحب الدولة في هذا الطور أسوة بقومه
في اكتساب المجد و جباية المال و المدافعة عن الحوزة و الحماية لا ينفرد
دونهم بشيء لأن ذلك هو مقتضى العصبية التي وقع بها الغلب، و هي لم تزل بعد
بحالها .
- و الطور الثاني طور الاستبداد على قومه و الانفراد دونهم بالملك و كبحهم
عن التطاول للمساهمة و المشاركة.و يكون صاحب الدولة في هذا الطور معنيا
باصطناع الرجال و اتخاذ الموالي و الصنائع و الاستكثار من ذلك ، لجدع أنوف
أهل عصبيته و عشيرته المقاسمين له في نسبه ، الضاربين في الملك بمثل
سهمه.فهو يدافعهم عن الأمر و يصدهم عن موارده و يردهم على أعقابهم أن
بخلصوا إليه حتى يقر الأمر في نصابه
- الطور الثالث طور الفراغ و الدعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طباع البشر
اليه من تحصيل المال و تخليد الآثار و بعد الصيت، فسيتفرغ وسعه في الجباية
و ضبط الدخل و الخرج، و احصاء النفقات و القصد فيها، و تشييد المباني
الحافلة و المصانع العظيمة ، و الامصار المتسعة ، و الهياكل المرتفعة، و
اجازة الوفود من أشرف الأمم و وجوه القبائل و بث المعروف في أهله . هذا مع
التوسعة على صنائعه و حاشيته في أحوالهم بالمال و الجاه، و اعتراض جنوده و
ادرار ارزاقهم و انصافهم في اعطياتهم لكل هلال ، حتى يظهر أثر ذلك عليهم
ذلك في ملابسهم و شكتهم و شاراتهم يوم الزينة...و هذا الطور آخر أطوار
الاستبداد
- الطور الرابع طور القنوع و المسالمة و يكون صاحب الدولة في هذا قانعا بما
أولوه سلما لأنظاره من الملوك و اقتاله مقلدا للماضين من سلفه... و يرى أن
الخروج عن تقليده فساد أمره و أنهم أبصر بما بنوا من مجده.
- الطور الخامس طور الاسراف و التبذير و يكون صاحب الدولة في هذا الطور
متلفا لما جمع أولوه في سبيل الشهوات و الملاذ و الكرم على بطانته و في
مجالسه ، و اصطناع أخدان السوء و خضراء الدمن ، و تقليدهم عظيمات الامور
التي لا يستقلون بحملها، و لايعرفون ما يأتون و يذرون منها، مستفسدا لكبار
الاولياء من قومه و صنائع سلفه، حتى يضطغنوا عليه و يتخاذلوا عن نصرته،
مضيعا من جنده بما أنفق من أعطياتهم في شهواتهم... و في هذا الطور تحصل في
الدولة طبيعة الهرم ، و يستولي عليها المرض المزمن الذي لا تكاد تخلص
منه..أي أن تنقرض)).(المقدمة) و اذن فان تحليل ابن خلدون بولادة و نمو و
هرم الدولة هو ذو أهمية بالغة ، لأنه ينطلق من دراسة الحركة الداخلية
للدولة المتمثلة في العصبية ، تلك المقولة الاجتماعية و السياسية التي
تعتبر محور كل المقولات و المفاهيم الخلدونية. فقد اعتمد عليها اعتمادا
أساسيا في دراسته الجدلية لتطور المجتمعات الانسانية((العمران البشري)) و
كأنه يبشر منذ القرن الرابع عشر بما اصطلح على تسميته في أواخر القرن
التاسع عشر و أوائل القرن العشرين بـ ((المادية الجدلية)). و في غمرة
انطلاقت العلمية الرائعة الرائدة وضع إصبعة على العصب الحساس و الرئيسي ،و
ان لم يكن الوحيد في تطور ((العمران البشري)) ألآ و هو الاقتصاد
علم الاقتصاد
ان النتيجة التي توصل اليها ابن خلدون في الفصل الثاني من مقدمته عند بحثه
للعمران البدوي و هي(ان اختلاف الأجيال في أحوالهم انما هو باختلاف نحلهم
من المعاش)) قادته بالضرورة إلى دراسة عدة مقولات اقتصادية تعتبر حجر
الزاوية في علم الاقتصاد الحديث، مثل دراسة الأساليب الانتاجية التي تعاقبت
على المجتمعات البشرية، و انتقال هذه الأخيرة من البداوة إلى الحضارة، أي
من الزراعة إلى الصناعة و التجارة(...و أما الفلاحة و الصناعة و التجارة
فهي وجوه طبيعية للمعاش .أما الفلاحة فهي متقدمة عليها كلها بالذات..و أما
الصناعة فهي ثانيها و متأخرة عنها لأنها مركبة و علمية تصرف فيها الأفكارو
الأنظار ، و لهذا لا توجد غالبا إلا في أهل الحضر الذي هو متأخر عن البدو و
ثان عنه )).(المقدمة)
و يركز ابن خلدون على الصناعة جاعلا منها السبب الأساسي فب الزدهار
الحضاري(ان الصنائع انما تكتمل بكمال العمران الحضري و كثرته... ان رسوخ
الصنائع في الامصار انما هو برسوخ الحضارة و طول أمدها)). كما تناول مقولة
تقسيم العمل بالتأكيد على أن(( النوع الانساني لا يتم وجوده الا بالتعاون
))، لعجز الانسان عن تلبية جميع حاجاته مهما كانت قدرته بمفرده، حيث أن ((
الصنائع في النوع الانساني كثيرة بكثرة الاعمال المتداولة في العمران. فهي
بحيث تشذ عن الحصر و لا يأخذها العد..(مثل) الفلاحة و البناء و الخياطة و
النجارة و الحياكة و التوليد و الوراقة و الطب...)) أما القيمة فهي في نظره
((قيمة الاعمال البشرية)):فأعلم أن ما يفيد الانسان و يقتنيه من المتمولات
ان كان من الصنائع فالمفاد المقتنى منه قيمة عمله...اذ ليس هناك الا العمل
، مثل النجارة و الحياكة معهما الخشب و الغزل، ألا أن العمل فيهما أكثر
فقيمته أكثر، و ان كان من غير الصنائع فلا بد في قيمة ذلك المفاد و القنية
من دخول قيمة العمل الذي حصلت به، إذ لولا العمل لم تحصل قيمتها...فقد تبين
أن المفادات و المكتسبات كلها انما هي قيم الاعمال الانسانية)).(المقدمة) و
لم يغفل أيضا عن مقولة ((القيمة الزائدة)) و ان لم يعالجها بشكل معمق عند
تعرضه لصاحب الجاه( و جميع ما شأنه ان تبذل فيه الاعواض من العمل يستعمل
فيه الناس من غير عوض فتتوفر قيم تلك الاعمال عليه، فهو بين قيم للأعمال
يكتسبها ، و قيم أخرى تدعوه الضرورة إلى إخراجها، فتتوفر عليها، و الأعمال
لصاحب الجاه كبيرة ، فتفيد الغني لأقرب وقت ، و يزداد مع مرور الأيام يسارا
و ثروة )).(المقدمة) من كل ما تقدم نستطيع المجازفة و القول إن أعمال اب
خلدون و بالذات ((المقدمة)) تعتبير أو موسوعة في العلوم الانسانية، بل هي
باكورة العمل الموسوعي العام قبل ظهور عصر الموسوعات بحوالي خمسة قرون
الفلسفة
يرى ابن خلدون في المقدمة أن الفلسفة من العلوم التي استحدثت مع انتشار
العمران، وأنها كثيرة في المدن ويعرِّفها قائلاً: ¸بأن قومًا من عقلاء
النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله، الحسي منه وما وراء الحسي، تُدرك
أدواته وأحواله، بأسبابها وعللها، بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وأن
تصحيح العقائد الإيمانية من قِبَل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من
مدارك العقل، وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف، وهو باللسان اليوناني محب
الحكمة. فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوَّموا على إصابة الغرض منه ووضعوا
قانونًا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه
بالمنطق. ويحذّر ابن خلدون الناظرين في هذا العلم من دراسته قبل الاطلاع
على العلوم الشرعية من التفسير والفقه، فيقول: ¸وليكن نظر من ينظر فيها بعد
الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه ولا يُكبَّنَّ أحدٌ
عليها وهو خِلْو من علوم الملة فقلَّ أن يَسلَمَ لذلك من معاطبها·.
ولعل ابن خلدون وابن رشد اتفقا على أن البحث في هذا العلم يستوجب الإلمام
بعلوم الشرع حتى لا يضل العقل ويتوه في مجاهل الفكر المجرد لأن الشرع يرد
العقل إلى البسيط لا إلى المعقد وإلى التجريب لا إلى التجريد. ومن هنا كانت
نصيحة هؤلاء العلماء إلى دارسي الفلسفة أن يعرفوا الشرع والنقل قبل أن
يُمعنوا في التجريد العقلي.
فلسفة ابن خلدون
امتاز ابن خلدون بسعة اطلاعه على ما كتبه القدامى على أحوال البشر وقدرته
على استعراض الآراء ونقدها، ودقة الملاحظة مع حرية في التفكير وإنصاف أصحاب
الآراء المخالفة لرأيه. وقد كان لخبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي
القضاء، إلى جانب أسفاره الكثيرة من موطنه الأصيل تونس و بقية بلاد شمال
أفريقيا الأمازيغية إلى بلدان أخرى مثل مصر والحجاز والشام، أثر بالغ في
موضوعية وعلمية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته.
بسبب فكر ابن خلدون الدبلوماسي الحكيم ، أُرسل أكثر من مرة لحل نزاعات
دولية ، فقد عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيراً إلى أمير قشتالة لعقد
الصلح . وبعد ذلك بأعوام ، استعان أهل دمشق به لطلب الأمان من الحاكم
المغولي تيمور لنك ، والتقوا بالفعل
الغرب وابن خلدون
كثير من الكتاب الغربيين وصفوا تقديم ابن خلدون للتاريخ بأنه أول تقديم لا ديني للتأريخ ، وهو له تقدير كبير عندهم.
وربما تكون ترجمة حياة ابن خلدون من أكثر ترجمات شخصيات التاريخ الإسلامي
توثيقا بسبب المؤلف الذي وضعه ابن خلدون ليؤرخ لحياته و تجاربه و دعاه
التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا و غربا ، تحدث ابن خلدون في هذا الكتاب عن
الكثير من تفاصيل حياته المهنية في مجال السياسة والتأليف والرحلات، ولكنه
لم يضمنها كثيرا تفاصيل حياته الشخصية والعائلية.
كان شمال أفريقيا أيام ابن خلدون بعد سقوط دولة الموحدين الأمازيغية تحكمه
ثلاث أسر : المغرب كان تحت سيطرة المرينيين الأمازيغ (1196 - 1464 )، غرب
الجزائر كان تحت سيطرة آل عبد الودود الأمازيغ (1236 - 1556 )، تونس و شرق
الجزائر و برقة تحت سيطرة الحفصيين الأمازيغ أيضا (1228 - 1574 ). التصارع
بين هذه الدول الثلاثة كان على أشده للسيطرة ما أمكن من المغرب الكبير ولكن
تميزت فترة الحفصيين بإشعاع ثقافي باهر .وكان المشرق العربي في أحلك
الظروف آنذاك يمزقه التتار و التدهور
وظائف تولاها
كان ابن خلدون دبلوماسياً حكيماً أيضاً . وقد أُرسل في أكثر من وظيفة
دبلوماسية لحل النزاعات بين زعماء الدول : مثلاً ، عينه السلطان محمد بن
الاحمر سفيراً له إلى أمير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما و كان صديقاً
مقرباً لوزيره لسان الدين ابن الخطيب .كان وزيراً لدى أبي عبد الله الحفصي
سلطان بجاية ، وكان مقرباً من السلطان أبي عنان المرينىقبل أن يسعى بينهما
الوشاة . وبعد ذلك بأعوام استعان به أهل دمشق لطلب الأمان من الحاكم
المغولي القاسي تيمورلنك ، وتم اللقاء بينهما . وصف ابن خلدون اللقاء في
مذكراته. إذ يصف ما رآه من طباع الطاغية ، ووحشيته في التعامل مع المدن
التي يفتحها ، ويقدم تقييماً متميزاً لكل ما شاهد في رسالة خطها لملك
المغرب الخصال الإسلامية لشخصية ابن خلدون ، أسلوبه الحكيم في التعامل مع
تيمور لنك مثلاً، وذكائه وكرمه ، وغيرها من الصفات التي أدت في نهاية
المطاف لنجاته من هذه المحنة، تجعل من التعريف عملاً متميزاً عن غيره من
نصوص أدب المذكرات العربية والعالمية. فنحن نرى هنا الملامح الإسلامية
لعالم كبير واجه المحن بصبر وشجاعة وذكاء ولباقة. ويعتبر ابن خلدون مؤسس
علم الاجتماع. ساهم في الدعوة للسلطان أبى حمو الزيانى سلطان تلمسان بين
القبائل بعد سقوط بجاية في يد سلطان قسنطينةأبى العباس الحفصى وأرسل أخاه
يحيى بن خلدون ليكون وزيراً لدى أبى حمو.
وفاته
وتوفي في مصر عام 1406 م، و دفن في مقابر الصوفية عند باب النصر شمال
القاهرة. وقبره غير معروف. والدار التي ولد بها كائنة بنهج تربة الباي عدد
34 بتونس العاصمة بالمدينة العتيقة.
وله قصيدة في الحنين لموطنه تونس
أحن إلى ألفي وقد حال دونهممهامه فيح دونهن سباسب
و يبقى ابن خلدون اليوم شاهدا على عظمة الفكر الإسلامي المتميز بالدقة و الجدية العلمية والقدرة على التجديد لاثراء الفكر
ابن خلدون (الاسم الكامل : ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد
بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون)
الحضرمي)(غرة رمضان732هـ/27 مايو1332 - 19 مارس1406م/26 رمضان808هـ) مؤسس
علم الاجتماع ومؤرخ عربي مسلم من إفريقية في عهد الحفصيين و هي تونس حاليا
ترك تراثا مازال تأثيره ممتدا حتى اليوم . ولد ابن خلدون في تونس عام 1332م
(732هـ) بالدار الكائنة بنهج تربة الباي رقم 34 . أسرة ابن خلدون أسرة علم
وأدب ، فقد حفظ القرآن الكريم في طفولته ، وكان أبوه هو معلمه الأول [1],
شغل أجداده في الأندلسوتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه
ونفوذ، نزح أهله من الأندلس في أوساط القرن السابع الهجري, وتوجهوا إلى
تونس حاضرة العلوم آنذاك[بحاجة لمصدر], وكان قدوم عائلته إلى تونس خلال حكم
دولة الحفصيين . ينتهى نسبه بالصحابى وائل بن حجر الحضرمي الذى كان النبى
صلى الله عليه وسلم قد دعا له :
"اللهم بارك في وائل بن حجر وبارك في ولده وولد ولده إلى يوم القيامة"
حياته
قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة
بقلعة أولاد سلامةبالجزائر, وعمل بالتدريس ، في جامع الزيتونة بتونس وفي
المغرب بجامع القرويين في فاس الذي أسسته الأختان الفهري القيروانيتان
وبعدها في الجامع الأزهربالقاهرة ، مصروالمدرسة الظاهرية وغيرهم [2]. وفي
آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيها متميزا خاصة أنه سليل
المدرسة الزيتونية العريقة و كان في طفولته قد درس بمسجد القبة الموجود قرب
منزله سالف الذكر المسمى "سيد القبّة" . توفي في القاهرة سنة 1406 م
(808هـ) . ومن بين أساتذته الفقيه الزيتوني الإمام ابن عرفة حيث درس بجامع
الزيتونة المعمور ومنارة العلوم بالعالم الإسلامي آنذاك .
يعتبر ابن خلدون أحد العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية, فهو مؤسس
علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة, وقد توصل إلى نظريات باهرة في
هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية, وبناء الدولة و أطوار
عمارها وسقوطها . وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقاً بعدة قرون
عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسي أوجست كونت .
عدّدَ المؤرخون لابن خلدون عدداً من المصنفات في التاريخوالحسابوالمنطق غير
أن من أشهر كتبه كتاب بعنوان العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب
والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر, وهو يقع في سبعة مجلدات
وأولها المقدمة وهي المشهورة أيضاً بمقدمة ابن خلدون, وتشغل من هذا الكتاب
ثلثه, وهي عبارة عن مدخل موسع لهذا الكتاب وفيها يتحدث ابن خلدون ويؤصل
لآرائه في الجغرافياوالعمرانوالفلك وأحوال البشر وطبائعهم والمؤثرات التي
تميز بعضهم عن الآخر .
اعتزل ابن خلدون الحياة بعد تجارب مليئة بالصراعات والحزن على وفاة أبويه
وكثير من شيوخه إثر وباء الطاعون الذي انتشر في جميع أنحاء العالم سنة
749هجرية (1348 م)وتفرغ لأربعة سنوات في البحث والتنقيب في العلوم
الإنسانية معتزلا الناس في سنينه الأخيرة، ليكتب سفره الخالد أو ما عرف
بمقدمة أبن خلدون ومؤسسا لعلم الاجتماع بناء على الاستنتاج والتحليل في قصص
التاريخ وحياة الإنسان. واستطاع بتلك التجربة القاسية أن يمتلك صرامة
موضوعية في البحث والتفكير.
علم التاريخ
لقد تجمعت في شخصية ابن خلدون العناصر الأساسية النظرية و العملية التي
تجعل منه مؤرخا حقيقيا- رغم أنه لم يول في بداية حياته الثقافية عناية خاصة
بمادة التاريخ-ذلك أنه لم يراقب الأحداث و الوقائع عن بعد كبقية المؤرخين ،
بل ساهم إلى حد بعيد و من موقع المسؤلية في صنع تلك الأحداث و الوقائع
خلال مدة طويلة من حياته العملية تجاوزت 50 عاما، و ضمن بوتقة جغرافية
انتدت من الاندلس و حتى بلاد الشام . فقد استطاع ،و لأول مرة ، (اذا
استثنينا بعض المحاولات البسيط هنا و هناك ) أن يوضح أن الوقائع التاريخية
لا تحدث بمحض الصدفة أو بسبب قوى خارجية مجهولة ، بل هي نتيجة عوامل كامنة
داخل المجتمعات الانسانية، لذلك انطلق في دراسته للأحداث التاريخية من
الحركة الباطنية الجوهرية للتاريخ.فعلم التاريخ ، و ان كان ((لايزيد في
ظاهره لا يزيد عن أخبار الايام و الدول ) انما هو ((في باطنه نظر و تحقيق و
تعليل لكائنات و مبادئها دقيق و علم بكيفيات الوقائع و اسبابها عميق ،
لذلك فهو أصيل في الحكمة عريق ، و جدير بأن يعد في علومها و خليق(المقدمة).
فهو بذلك قد اتبع منهجا في دراسة التاريخ يجعل كل أحداثه ملازمة
للـ((العمران البشري)) و تسير وفق قانون ثابت. يقول: ((فالقانون في تمييز
الحق من الباطل في الأخبار بالامكان و الاستحالة أن ننظر في الاجتماع
البشري الذي هو العمران و نميز ما يلحقه لذاته و بمقتضى طبعه و ما يكون
عارضا لا يعتد به و ما لايمكن أن يعرض له ، و إذا فعلنا ذلك ، كان ذلك لنا
قانونا في تمييز الحق من الباطل في الاخبار ، و الصدق من الكذب بوجه برهان
لا مدخل للشك فيه ، و حينئذ فاذا سمعنا عن شئ من الاحوال الواقعة في
العمران علمنا ما نحكم بقبوله مما نحكم بتزييفه، و كان ذلك لنا معيارا
صحيحا يتحرى به المؤرخون طريق الصدق و الصواب فيما ينقلونه)).(المقدمة) و
هكذا فهو و ان لم يكتشف مادة التاريخ فانه جعلها علما و وضع لها فلسفة و
منهجا علميا نقديا نقلاها من عالم الوصف السطحي و السرد غير المعلل إلى
عالم التحليل العقلاني و الاحداث المعللة بأسباب عامة منطقية ضمن ما يطلق
عليه الآن الـ(الحتمية التاريخية)، و ذلك ليس ضمن مجتمعه فحسب، بل في كافة
المجتمعات الانسانية و في كل العصور ، و هذا ما جعل منه أيضا و بحق أول من
اقتحم ميدان ما يسمى بتاريخ الحضارات أو التاريخ المقارن.((إني أدخل
الأسباب العامة في دراسة الوقائع الجزئية ، و عندئذ أفهم تاريخ الجنس
البشري في إطار شامل ...اني ابحث عن الاسباب و الأصول للحوادث السياسية )).
كذلك قوله(( داخلا من باب الاسباب على العموم على الاخبار الخصوص فاستوعب
أخبار الخليقة استيعابا ...و أعطي الحوادث علة أسبابا )).
علم الاجتماع
أصبح من المسلم به تقريبا في مشارق الارض و مغاربها ، أن ابن خلدون هو مؤسس
علم الاجتماع أو علم ((العمران البشري)) كما يسميه. و قد تفطن هو نفسه
لهذه الحقيقة عندما قال في مقدمته التي خصصها في الواقع لهذا العلم
الجديد(... و هذا هو غرض هذا الكتاب الأول من تأليفنا...))، و هو علم
مستقل بنفسه موضوعه((...العمران البشري و الاجتماع الانساني ))، كما أنه
علم يهدف إلى (( بيان ما يلحقه من العوارض و الأحوال لذاته واحدة بعد أخرى،
و هذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أم عقليا )(و اعلم) أن الكلام في
هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة، أعثر عليه البحث و أدى
اليه الغوص... و كأنه علم مستبط النشأة ، و لعمري لم أقف على الكلام في
منحاه لأحد من الخليقة ))(المقدمة). و يبدو واضحا ان اكتشاف ابن خلدون لهذا
العلم قاده اليه منهجه التاريخي العلمي الذي ينطلق من أن الظواهر
الاجتماعية تخضع لقوانين ثابتة و أنها ترتبط ببعضها ارتباط العلة
بالمعللول، فكل ظاهرة لها سبب و هي في ذات الوقت سبب لللظاهرة التي تليها .
لذلك كان مفهوم العمران البشري عنده يشمل كل الظواهر سواء كانت
سكانية(ديمغرافية)،اجتماعية، سياسية، اقتصادية أو ثقافية. فهو يقول في ذلك
(فهو خبر عن الاجتماع الانساني الذي هو عمران العالم و ما يعرض لطبيعة
هذا العمران من الأحوال مثل التوحش و التأنس و العصبيات و أصناف التغلبات
للبشر بعضهم على بعض، و ما ينشأ عن الكسب و العلوم و الصنائع و سائر ما
يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الاحوال.(المقدمة)،و هنا يلامس أيضا نظرية
النشوء و الارتقاء لدى داروين و ان لم يغص فيها .ثم أخذ في تفصيل كل تلك
الظواهر مبينا أسبابها و تنائجها، مبتدئا بأن بإيضاح أن الانسان لا يستطيع
العيش بمعزل عن أبناء جنسه حيث( ان الاجتماع الانساني ضروري )) فـ((
الانسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية ... و هو
معنى العمران )). ثم تعرض للعمران البشري على العموم مبينا أثر البيئة في
الكائنات البشرية و هو مايدخل حاليا في علم الاتنولوجيا و الانثروبولوجيا .
ثم بعد ذلك تطرق لأنواع العمران البشري تبعا لنمط حياة البشر و أساليبهم
الانتاجية (ان اختلاف الأجيال في أحوالهم انما هو باختلاف نحلتهم في
المعاش )) مبتدئا بالعمران البدوي باعتباره اسلوب الانتاج الأولي الذ لا
يرمي إلى لكثر من تحقيق ما هو ضروري للحياة ((...ان اهل البدو المنتحلون
للمعاش الطبيعي ... و انهم مقتصرون على الضروري الاقوات و الملابس و
المساكن و سائر الأحوال و العوائد)).(المقدمة) ثم يخصص الفصل الثالث من
المقدمة للدول و الملك و الخلافة و مراتبها و أسباب و كيفية نشوئها و
سقوطها، مؤكدا أن الدعامة الأساسية للحكم تكمن في العصبية . و العصبية عنده
أصبحت مقولة اجتماعية احتلت مكانة بارزة في مقدمته حتى اعتبرها العديد من
المؤرخين مقولة خلدونية بحتة، و هم محقون في ذلك لأن ابن خلدون اهتم بها
اهتماما بالغا إلى درجة أنه ربط كل الاحداث الهامة و التغييرات الجذرية
التي تطرأ على ((العمران البدوي)) أو ((العمران الحضري )) بوجود أو فقدان
العصبية. كما أنها في رأيه المحور الأساسي في حياة الدول و الممالك. و يطنب
ابن خلدون في شرح مقولته تلك ، مبينا أن ((العصبية نزعة طبيعية في البشر
مذ كانوا))، ذلك أنها تتولد من النسب و القرابة و تتوقف درجة قوتها أو
ضعفها على درجة قرب النسب أو بعده. ثم يتجاوز نطاق القرابة الضيقة المتمثلة
في العائلة و يبين أن درجة النسب قد تكون في الولاء للقبيلة و هي العصبية
القبلية((... و من هذا الباب الولاء و الحلف اذ نصرة كل أحد من أحد على أهل
ولائه و حلفه للألفة التي تلحق النفس في اهتضام جارها أو قريبها أو نسيبها
بوجه من وجوه النسب ، و ذلك لأجل اللحمة الحاصلة من الولاء )). أما اذا
اصبح النسب مجهولا غامضا و لم يعد واضحا في أذهان الناس، فإن العصبية تضيع و
تختفي هي أيضا.((... بمعنى أن النسب اذا خرج عن الوضوح انتفت النعرة التي
تحمل هذه العصبية، فلا منفعة فيه حينئذ )). هذا ولا يمكن للنسب أن يختفي و
يختلط في ((العمران البدوي ))، و ذلك أن قساوة الحياة في البادية تجعل
القبيلة تعيش حياة عزلة و توحش ، بحيث لا تطمح الأمم في الاختلاط بها و
مشاركتها في طريقة عيشها النكداء، وبذلك يحافظ البدو على نقاوة أنسابهم ، و
من ثم على عصبيتهم. ((... الصريح من النسب انما يوجد للمتوحشين في القفر
... و ذلك لما اختصوا به من نكد العيش و شظف الأحوال و سوء الموطن ، حملتهم
عليها الضرورة التي عينت لهم تلك القسمة... فصار لهم ألفا و عادة، و ربيت
فيهم أجيالهم ... فلا ينزع اليهم أحدا من الأمم أن يساهم في حالهم، و لا
يأنس بهم أحد من الأجيال ... فيؤمن عليهم لأجل ذلك منت اختلاط انسابهم و
فسادها )). أما اذا تطورت حياتهم و أصبحوا في رغد العيش بانضمامهم إلى
الأرياف و المدن، فإن نسبهم يضيع حتما بسبب كثرة الاختلاط و يفقدون بذلك
عصبيتهم.((... ثم يقع الاختلاط في الحواضر مع العجم و غيرهم و فسدت الانساب
بالجملة ثمرتها من العصبية فاطرحت ثم تلاشت القبائل و دثرت فدثرت العصبية
مدثورها و بقي ذلك في البدو كما كان )). و هكذا نخلص للقول في هذا الصدد
بأن العصبية تكون في (( العمران البدوي )) و تفقد في (( العمران الحضري )).
العصبية و السلطة في مرحلة العمران البدوي
و بعد أن تعرض ابن خلدون لمفهوم العصبية و أسبا وجودها أو فقدانها، انتقل
إلى موضوع حساس و هام ، مبينا دور العصبية فيه ، ألا و هو موضوع
((الرئاسة)) الذي سيتطور في ((العمران الحضري )) إلى مفهوم الدولة.فاثناء
مرحلة ((العمران البدوي)) يوجد صراع بين مختلف العصبيات على الرئاسة ضمن
القبيلة الواحدة، أي ضمن العصبية العامة حيث (..ان كل حي أو بطن من
القبائل، و ان كانوا عصابة واحدة لنسبهم العام ، ففيهم أيضا عصبيات أخرى
لأنساب خاصة هي أشد التحاما من النسب العام لهم مثل عشير واحد أو أهل بيت
واحد أو أخوة بني أب واحد ، لا مثل بني العم الأقربين أو الأبعدين ، فهؤلاء
أقعد بنسبهم المخصوص ، و يشاركون من سواهم من العصائب في النسب العام ،و
النعرة تقع من أهل نسبهم المخصوص و من أهل النسب العام، ألا أنها في النسب
الخاص أشد لقرب اللحمة)). و من هنا ينجم التنافس بين مختلف العصبيات الخاصة
على الرئاسة ، تفوز فيه بطبيعة الحال العصبة الخاصة الأقوى التي تحافظ على
الرئاسة إلى أن تغلبها عصبة خاصة أخرى و هكذا.((...و لما كانت الرئاسة
انما تكون بالغلب، وجب أن تكون عصبة ذلك النصاب (أي أهل العصبية الخاصة)
أقوى من سائر العصبيات ليقع الغلب بها و تتم الرئاسة لأهلها... فهذا هو سر
اشتراط الغلب في العصبة، ومنه تعين استمرار الرئاسة في النصاب المخصوص)). و
يحدد ابن خلدون مدة وراثة الرئاسة ضمن العصبية القوية بأربعة أجيال على
العموم ، أي بحوالي 120 سنة في تقديره.((ذلك بأن باني المجد عالم بما عاناه
في بنائه و محافظ على الخلال التي هي سبب كونه و بقائه ، و بعده ابن مباشر
لأبيه قد سمع منه ذلك و أخذ عنه، ألا أنه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشئ
عن المعاين له ثم إذى جاء الثالث كان حظه في الاقتفاء و التقليد خاصة فقصر
عن الثاني تقصير المقلد عن المجتهد ثم اذا جاء الرابع قصر عن طريقتهم جملة و
أضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم و احتقرها و توهم أن أمر ذلك البنيان لم
يكن بمعاناة و لاتكلف ، و إنما هو أمر واجب لهم منذ أول النشأة بمجرد
انتسابهم و ليس بعصبية... و اعتبار الأربعة من الأجيال الأربعة بان و مباشر
و مقلد و هادم )).و بذلك ينهي ابن خلدون نظريته المتعلقة باسلطة اثناء
مرحلة ((العمران البدوي)) و يخلص إلى نتيجة أن السلطة في تلم المرحلة مبنية
أساسا على العصبية بحيث لا يمكن أن تكون لها قائمة بدونها.
العصبية و السلطة في العمران الحضري
انطلاقا من نظريته السابقة المتعلقة بدور العصبية في الوصول إلى الرئاسة في
المجتمع البدوي ، واصل ابن خلدون تحليله على نفس النسق فيما يتعلق بالسلطة
في المجتمع الحضري مبينا أن العصبية الخاصة بعد استيلائها على الرئاسة
تطمح إلى ما هو أكثر ، أي إلى فرض سيادتها على قبائل أخرى بالقوة ، و عن
طريق الحروب و التغلب للوصول إلى مرحلة الملك ((... و هذا التغلب هو الملك ،
و هو أمر زائد على الرئاسة... فهو التغلب و الحكم بالقهر ، و صاحبالعصبية
إذا بلغ رتبة طلب ما فوقها)). معتمدا في تحقيق ذلك أساسا و بالدرجة الأولى
على العصبية حيث إن ((الغاية التي تجري اليها العصبية هي الملك )). فهذه
اذن المرحلة الأولى في تأسيس الملك أو الدولة ، و هي مرحلة لا تتم الا من
خلال العصبية. و بالوصول إلى تلك المرحلة يبدأ ((العمران الحضري )) شيئا
فشيئا و تصبح السلطة الجديدة تفكر في تدعيم وضعها آخذة بعين الاعتبار جميع
العصبيات التابعة لها، و بذلك فانها لم تعد تعتمد على عامل النسب بل على
عوامل اجتماعية و أخلاقية جديدة ، يسميها اب خلدون ((الخلال)). و هنا تدخل
الدولة في صراع مع عصبيتها ، لأن وجودها أصبح يتنافى عمليا مع وجود تلك
العصبية التي كانت في بداية الأمر سببا في قيامها،(يتراءى لنا مبدأ نفي
النفي في المادية الجدلية<اضافة رابط المادية الجدلية ان وجد>). و مع
نشوء يتخطى الملك عصبيته الخاصة ، و يعتمد على مختلف العصبيات. و بذلك
تتوسع قاعدة الملك و يصبح الحاكم أغنى و أقوى من ذي قبل، بفضل توسع قاعدة
الضرائب من ناحية ، و الأموال التي التي تدرها الصناعات الحرفية التي التي
تنتعش و تزدهر في مرحلة ((العمران الحضري)) من ناحية أخرى. ولتدعيم ملكه
يلجأ إلى تعويض القوة العسكرية التي كانت تقدمها له العصبية الخاصة أو
العامة(القبيلة) بانشاء جيش من خارج عصبيته، و حتى من عناصر أجنبية عن
قومه، و إلى اغراق رؤساء قبائل البادية بالأموال ، و بمنح الإقطاعات كتعويض
عن الامتيازات السياسية التي فقدوها. و هكذا تبلغ الدولة الجديدة قمة
مجدها في تلك المرحلة، ثم تأخذ في الانحدار حيث أن المال يبدأ في النفاذ
شيئا فشيئا بسبب كثرة الانفاق على ملذات الحياة و الترف و الدعة. و على
الجيوش و مختلف الموظفين الذين يعتمد عليهم الحكم. فيزيد في فرض الضرائب
بشكل مجحف ، الشئ الذي يؤدي إلى إضعاف المنتجين، فتتراجع الزراعة و تنقص
حركة التجارة، و تقل الصناعات ، و تز داد النقمة و بذلك يكون الحكم قد دخل
مرحلة بداية النهاية ، أي مرحلة الهرم التي ستنتهي حتما بزواله و قيام ملك
جديد يمر بنفس الأطوار السابقةاغلتي يجملها اب خلدون في خمسة أطوار . ((...
و حالات الدولة و أطوارها لا تعدو في الغالب خمسة أطوار. -الطور الاول طور
الظفر بالبغية، و غلب المدافع و الممانع، و الاستيلاء على الملك و انتزاعه
من أيدي الدولة السالفة قبلها.فيكون صاحب الدولة في هذا الطور أسوة بقومه
في اكتساب المجد و جباية المال و المدافعة عن الحوزة و الحماية لا ينفرد
دونهم بشيء لأن ذلك هو مقتضى العصبية التي وقع بها الغلب، و هي لم تزل بعد
بحالها .
- و الطور الثاني طور الاستبداد على قومه و الانفراد دونهم بالملك و كبحهم
عن التطاول للمساهمة و المشاركة.و يكون صاحب الدولة في هذا الطور معنيا
باصطناع الرجال و اتخاذ الموالي و الصنائع و الاستكثار من ذلك ، لجدع أنوف
أهل عصبيته و عشيرته المقاسمين له في نسبه ، الضاربين في الملك بمثل
سهمه.فهو يدافعهم عن الأمر و يصدهم عن موارده و يردهم على أعقابهم أن
بخلصوا إليه حتى يقر الأمر في نصابه
- الطور الثالث طور الفراغ و الدعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طباع البشر
اليه من تحصيل المال و تخليد الآثار و بعد الصيت، فسيتفرغ وسعه في الجباية
و ضبط الدخل و الخرج، و احصاء النفقات و القصد فيها، و تشييد المباني
الحافلة و المصانع العظيمة ، و الامصار المتسعة ، و الهياكل المرتفعة، و
اجازة الوفود من أشرف الأمم و وجوه القبائل و بث المعروف في أهله . هذا مع
التوسعة على صنائعه و حاشيته في أحوالهم بالمال و الجاه، و اعتراض جنوده و
ادرار ارزاقهم و انصافهم في اعطياتهم لكل هلال ، حتى يظهر أثر ذلك عليهم
ذلك في ملابسهم و شكتهم و شاراتهم يوم الزينة...و هذا الطور آخر أطوار
الاستبداد
- الطور الرابع طور القنوع و المسالمة و يكون صاحب الدولة في هذا قانعا بما
أولوه سلما لأنظاره من الملوك و اقتاله مقلدا للماضين من سلفه... و يرى أن
الخروج عن تقليده فساد أمره و أنهم أبصر بما بنوا من مجده.
- الطور الخامس طور الاسراف و التبذير و يكون صاحب الدولة في هذا الطور
متلفا لما جمع أولوه في سبيل الشهوات و الملاذ و الكرم على بطانته و في
مجالسه ، و اصطناع أخدان السوء و خضراء الدمن ، و تقليدهم عظيمات الامور
التي لا يستقلون بحملها، و لايعرفون ما يأتون و يذرون منها، مستفسدا لكبار
الاولياء من قومه و صنائع سلفه، حتى يضطغنوا عليه و يتخاذلوا عن نصرته،
مضيعا من جنده بما أنفق من أعطياتهم في شهواتهم... و في هذا الطور تحصل في
الدولة طبيعة الهرم ، و يستولي عليها المرض المزمن الذي لا تكاد تخلص
منه..أي أن تنقرض)).(المقدمة) و اذن فان تحليل ابن خلدون بولادة و نمو و
هرم الدولة هو ذو أهمية بالغة ، لأنه ينطلق من دراسة الحركة الداخلية
للدولة المتمثلة في العصبية ، تلك المقولة الاجتماعية و السياسية التي
تعتبر محور كل المقولات و المفاهيم الخلدونية. فقد اعتمد عليها اعتمادا
أساسيا في دراسته الجدلية لتطور المجتمعات الانسانية((العمران البشري)) و
كأنه يبشر منذ القرن الرابع عشر بما اصطلح على تسميته في أواخر القرن
التاسع عشر و أوائل القرن العشرين بـ ((المادية الجدلية)). و في غمرة
انطلاقت العلمية الرائعة الرائدة وضع إصبعة على العصب الحساس و الرئيسي ،و
ان لم يكن الوحيد في تطور ((العمران البشري)) ألآ و هو الاقتصاد
علم الاقتصاد
ان النتيجة التي توصل اليها ابن خلدون في الفصل الثاني من مقدمته عند بحثه
للعمران البدوي و هي(ان اختلاف الأجيال في أحوالهم انما هو باختلاف نحلهم
من المعاش)) قادته بالضرورة إلى دراسة عدة مقولات اقتصادية تعتبر حجر
الزاوية في علم الاقتصاد الحديث، مثل دراسة الأساليب الانتاجية التي تعاقبت
على المجتمعات البشرية، و انتقال هذه الأخيرة من البداوة إلى الحضارة، أي
من الزراعة إلى الصناعة و التجارة(...و أما الفلاحة و الصناعة و التجارة
فهي وجوه طبيعية للمعاش .أما الفلاحة فهي متقدمة عليها كلها بالذات..و أما
الصناعة فهي ثانيها و متأخرة عنها لأنها مركبة و علمية تصرف فيها الأفكارو
الأنظار ، و لهذا لا توجد غالبا إلا في أهل الحضر الذي هو متأخر عن البدو و
ثان عنه )).(المقدمة)
و يركز ابن خلدون على الصناعة جاعلا منها السبب الأساسي فب الزدهار
الحضاري(ان الصنائع انما تكتمل بكمال العمران الحضري و كثرته... ان رسوخ
الصنائع في الامصار انما هو برسوخ الحضارة و طول أمدها)). كما تناول مقولة
تقسيم العمل بالتأكيد على أن(( النوع الانساني لا يتم وجوده الا بالتعاون
))، لعجز الانسان عن تلبية جميع حاجاته مهما كانت قدرته بمفرده، حيث أن ((
الصنائع في النوع الانساني كثيرة بكثرة الاعمال المتداولة في العمران. فهي
بحيث تشذ عن الحصر و لا يأخذها العد..(مثل) الفلاحة و البناء و الخياطة و
النجارة و الحياكة و التوليد و الوراقة و الطب...)) أما القيمة فهي في نظره
((قيمة الاعمال البشرية)):فأعلم أن ما يفيد الانسان و يقتنيه من المتمولات
ان كان من الصنائع فالمفاد المقتنى منه قيمة عمله...اذ ليس هناك الا العمل
، مثل النجارة و الحياكة معهما الخشب و الغزل، ألا أن العمل فيهما أكثر
فقيمته أكثر، و ان كان من غير الصنائع فلا بد في قيمة ذلك المفاد و القنية
من دخول قيمة العمل الذي حصلت به، إذ لولا العمل لم تحصل قيمتها...فقد تبين
أن المفادات و المكتسبات كلها انما هي قيم الاعمال الانسانية)).(المقدمة) و
لم يغفل أيضا عن مقولة ((القيمة الزائدة)) و ان لم يعالجها بشكل معمق عند
تعرضه لصاحب الجاه( و جميع ما شأنه ان تبذل فيه الاعواض من العمل يستعمل
فيه الناس من غير عوض فتتوفر قيم تلك الاعمال عليه، فهو بين قيم للأعمال
يكتسبها ، و قيم أخرى تدعوه الضرورة إلى إخراجها، فتتوفر عليها، و الأعمال
لصاحب الجاه كبيرة ، فتفيد الغني لأقرب وقت ، و يزداد مع مرور الأيام يسارا
و ثروة )).(المقدمة) من كل ما تقدم نستطيع المجازفة و القول إن أعمال اب
خلدون و بالذات ((المقدمة)) تعتبير أو موسوعة في العلوم الانسانية، بل هي
باكورة العمل الموسوعي العام قبل ظهور عصر الموسوعات بحوالي خمسة قرون
الفلسفة
يرى ابن خلدون في المقدمة أن الفلسفة من العلوم التي استحدثت مع انتشار
العمران، وأنها كثيرة في المدن ويعرِّفها قائلاً: ¸بأن قومًا من عقلاء
النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله، الحسي منه وما وراء الحسي، تُدرك
أدواته وأحواله، بأسبابها وعللها، بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وأن
تصحيح العقائد الإيمانية من قِبَل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من
مدارك العقل، وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف، وهو باللسان اليوناني محب
الحكمة. فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوَّموا على إصابة الغرض منه ووضعوا
قانونًا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه
بالمنطق. ويحذّر ابن خلدون الناظرين في هذا العلم من دراسته قبل الاطلاع
على العلوم الشرعية من التفسير والفقه، فيقول: ¸وليكن نظر من ينظر فيها بعد
الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه ولا يُكبَّنَّ أحدٌ
عليها وهو خِلْو من علوم الملة فقلَّ أن يَسلَمَ لذلك من معاطبها·.
ولعل ابن خلدون وابن رشد اتفقا على أن البحث في هذا العلم يستوجب الإلمام
بعلوم الشرع حتى لا يضل العقل ويتوه في مجاهل الفكر المجرد لأن الشرع يرد
العقل إلى البسيط لا إلى المعقد وإلى التجريب لا إلى التجريد. ومن هنا كانت
نصيحة هؤلاء العلماء إلى دارسي الفلسفة أن يعرفوا الشرع والنقل قبل أن
يُمعنوا في التجريد العقلي.
فلسفة ابن خلدون
امتاز ابن خلدون بسعة اطلاعه على ما كتبه القدامى على أحوال البشر وقدرته
على استعراض الآراء ونقدها، ودقة الملاحظة مع حرية في التفكير وإنصاف أصحاب
الآراء المخالفة لرأيه. وقد كان لخبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي
القضاء، إلى جانب أسفاره الكثيرة من موطنه الأصيل تونس و بقية بلاد شمال
أفريقيا الأمازيغية إلى بلدان أخرى مثل مصر والحجاز والشام، أثر بالغ في
موضوعية وعلمية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته.
بسبب فكر ابن خلدون الدبلوماسي الحكيم ، أُرسل أكثر من مرة لحل نزاعات
دولية ، فقد عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيراً إلى أمير قشتالة لعقد
الصلح . وبعد ذلك بأعوام ، استعان أهل دمشق به لطلب الأمان من الحاكم
المغولي تيمور لنك ، والتقوا بالفعل
الغرب وابن خلدون
كثير من الكتاب الغربيين وصفوا تقديم ابن خلدون للتاريخ بأنه أول تقديم لا ديني للتأريخ ، وهو له تقدير كبير عندهم.
وربما تكون ترجمة حياة ابن خلدون من أكثر ترجمات شخصيات التاريخ الإسلامي
توثيقا بسبب المؤلف الذي وضعه ابن خلدون ليؤرخ لحياته و تجاربه و دعاه
التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا و غربا ، تحدث ابن خلدون في هذا الكتاب عن
الكثير من تفاصيل حياته المهنية في مجال السياسة والتأليف والرحلات، ولكنه
لم يضمنها كثيرا تفاصيل حياته الشخصية والعائلية.
كان شمال أفريقيا أيام ابن خلدون بعد سقوط دولة الموحدين الأمازيغية تحكمه
ثلاث أسر : المغرب كان تحت سيطرة المرينيين الأمازيغ (1196 - 1464 )، غرب
الجزائر كان تحت سيطرة آل عبد الودود الأمازيغ (1236 - 1556 )، تونس و شرق
الجزائر و برقة تحت سيطرة الحفصيين الأمازيغ أيضا (1228 - 1574 ). التصارع
بين هذه الدول الثلاثة كان على أشده للسيطرة ما أمكن من المغرب الكبير ولكن
تميزت فترة الحفصيين بإشعاع ثقافي باهر .وكان المشرق العربي في أحلك
الظروف آنذاك يمزقه التتار و التدهور
وظائف تولاها
كان ابن خلدون دبلوماسياً حكيماً أيضاً . وقد أُرسل في أكثر من وظيفة
دبلوماسية لحل النزاعات بين زعماء الدول : مثلاً ، عينه السلطان محمد بن
الاحمر سفيراً له إلى أمير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما و كان صديقاً
مقرباً لوزيره لسان الدين ابن الخطيب .كان وزيراً لدى أبي عبد الله الحفصي
سلطان بجاية ، وكان مقرباً من السلطان أبي عنان المرينىقبل أن يسعى بينهما
الوشاة . وبعد ذلك بأعوام استعان به أهل دمشق لطلب الأمان من الحاكم
المغولي القاسي تيمورلنك ، وتم اللقاء بينهما . وصف ابن خلدون اللقاء في
مذكراته. إذ يصف ما رآه من طباع الطاغية ، ووحشيته في التعامل مع المدن
التي يفتحها ، ويقدم تقييماً متميزاً لكل ما شاهد في رسالة خطها لملك
المغرب الخصال الإسلامية لشخصية ابن خلدون ، أسلوبه الحكيم في التعامل مع
تيمور لنك مثلاً، وذكائه وكرمه ، وغيرها من الصفات التي أدت في نهاية
المطاف لنجاته من هذه المحنة، تجعل من التعريف عملاً متميزاً عن غيره من
نصوص أدب المذكرات العربية والعالمية. فنحن نرى هنا الملامح الإسلامية
لعالم كبير واجه المحن بصبر وشجاعة وذكاء ولباقة. ويعتبر ابن خلدون مؤسس
علم الاجتماع. ساهم في الدعوة للسلطان أبى حمو الزيانى سلطان تلمسان بين
القبائل بعد سقوط بجاية في يد سلطان قسنطينةأبى العباس الحفصى وأرسل أخاه
يحيى بن خلدون ليكون وزيراً لدى أبى حمو.
وفاته
وتوفي في مصر عام 1406 م، و دفن في مقابر الصوفية عند باب النصر شمال
القاهرة. وقبره غير معروف. والدار التي ولد بها كائنة بنهج تربة الباي عدد
34 بتونس العاصمة بالمدينة العتيقة.
وله قصيدة في الحنين لموطنه تونس
أحن إلى ألفي وقد حال دونهممهامه فيح دونهن سباسب
و يبقى ابن خلدون اليوم شاهدا على عظمة الفكر الإسلامي المتميز بالدقة و الجدية العلمية والقدرة على التجديد لاثراء الفكر
مستر مهند- عضو مجتهد
- عدد المساهمات : 368
نقاط : 1144
تاريخ التسجيل : 12/09/2011
مواضيع مماثلة
» حركة "ابن خلدون".. لحماية طلاب الثانوية من الإهانة والاضطهاد بالمدارس
» علم إجتماع الباب الأول شرح بالفيديو ابن خلدون وقواعد البحث في علم العمران 3ث حصريا
» مفتش بالتعليم الابتدائى يزور "ابن خلدون" الابتدائية بحى العجوزة ويتهكم على عدم ارتداء المعلمات للحجاب بالفصول ويأمر بقص شعر التلاميذ.. أحد الطلاب يبول على نفسه خوفاً.. و"التعليم": نحقق بالأمر
» علم إجتماع الباب الأول شرح بالفيديو ابن خلدون وقواعد البحث في علم العمران 3ث حصريا
» مفتش بالتعليم الابتدائى يزور "ابن خلدون" الابتدائية بحى العجوزة ويتهكم على عدم ارتداء المعلمات للحجاب بالفصول ويأمر بقص شعر التلاميذ.. أحد الطلاب يبول على نفسه خوفاً.. و"التعليم": نحقق بالأمر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى