إلى الطبيب وطالب الطب كيف تخدم الإسلام؟
صفحة 1 من اصل 1
إلى الطبيب وطالب الطب كيف تخدم الإسلام؟
لا شك أن العاقل البصير - أيا كان تخصصه أو موقـعه - يعلم بأن العمر قصير ،
والأنفاس معدودة ، والموت قد يأتي بغتة ، والأطباء - بصفة خاصـة - أكـثـر
الـنـاس معايشة لهذه المفاهيم ، لأنهم يحسون بها كل يوم ، بل في اليوم أكثر
من مرة أحياناً.. يشاهدون لحظات الموت حية أمام نواظرهم.. يتابعون الاحتضار
لحظة بلحظة.. كما أنهم يعايشـون أحاسيس أهل المريض عند موته ، لذا كان من
الطبيعي أن يكونوا أكثر معرفة بالله وخوفـاً منه ، إن قورنوا بعامة الناس ،
ولكن - للأسف الشديد - فإن القليل منهم في هذا الزمان يعي أهمية دوره كطبيب
في الدعوة إلى الله (1).
ودّوا لو تكفــــــرون
حرص أعداء الإسلام على اختلاف أجناسهم وألوانهم وبلدانهم على الجد في تحصيل
علم الطب ، وبلغوا أرفع الدرجات ، ومما لا شك فيه ولا ريب أن من أعظم مقاصدهم
تسخير نتيجة تحصيلهم في الدعوة إلى دينهم أو إخراج المسلم من دينه ليعيش بلا
دين . واقرأ قولهم (( حيث تجد بشراً تجد آلاماً ، وحيث تكون الآلام تكون
الحاجة إلى الطبيب ، وحيث تكون الحاجة إلى الطبيب فهنالك فرصة مناسبة للتبشير
)) ، وهكذا اتخذ المبشرون الطب ستاراً يقتربون تحته من المرضى . واقرأ أيضاً
قول أحدهم ويدعى الطبيب ( بول هاريسون) قال في كتابه – الطبيب في بلاد العرب
- : (( إن المبشر لا يرضى عن إنشاء مستشفى ولو بلغت منافع ذلك المستشفى منطقة
( عُمان ) بأسرها . لقد وُجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها
نصارى)) . وصدق في قوله وهو الكذوب ، فلقد أفصح عن أمر بيّته في نفسه وعنه
يدافع وناضل . وصدق الله ، ومنْ أصدق من الله قيلاً ومَنْ أصدق من الله
حديثاً : (( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى
تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (البقرة:120) ، ولهذا كان بعضهم لا يعالج المريض
أبداً إلاّ بعد أن يحمله على الاعتراف بأن الذي يشفيه هو المسيح. وفي الحبشة
كانت المعالجة لا تبدأ إلاّ بعد أن يركع المريض ويسأل المسيح أن يشفيه . تقول
( ايرا هاريس ) في نصيحتها للطبيب الذاهب إلى مهمة تبشيرية : (( يجب أن تنتهز
الفرص لتصل إلى آذان المسلمين وقلوبهم فترسخ بهم الإنجيل ، إيّاك أن تضيع
التطبيب في المستوصفات والمستشفيات فإنه أثمن تلك الفرص على الإطلاق ، ولعل
الشيطان يريد أن يفتنك فيقول لك : إن واجبك التطبيب فقط لا التبشير فلا تسمع
منه ))(2).
قامت منظّمة تنصيرية تدعى ( عملية البركة الدولية) وهي تابعة لمنظمة " شبكة
الإذاعة المسيحية" والتي يرأسها منصّر أمريكي يدعى " بات روبرتسون" مرشّح
الانتخابات الأمريكية عام 1987 ، قامت تلك المنظمة بتجهيز طائرة لوكهيد (
L-50-1011) وتحويلها إلى مستشفى طائر ضخم بكلفة خمسة وعشرين مليون دولار،
مزوّد بجميع المعدّات اللازمة للعمليات الجراحية والعلاجية، بحيث يجوب مناطق
كثيرة في العالم ويمكث في مناطق محدّدة ومختارة لمدد تتراوح ما بين أسبوع إلى
عشرة أيام ، ويقدّم خدماته بالمجّان، ولكن كانت حقيقة هذا العمل المجّاني هي
تنصير النّاس، فقبل بدء الكشف والعلاج يُسْأل عن ديانته، ثم يستمع لمحاضرة
لمدة عشر دقائق حول المسيح عليه السلام، وعن دين النّصارى ، وضرورة البحث عن
الخلاص في رحاب المسيح، ثم يعطى كمية من الكتب والنشرات ويُطلَب منه دراستها
والحضور إلى عنوان معيّن بعد أيّام!!. مستشفى طبّي طائر للتنصير..، ألا تقدر
أمة المليار نفس على مثله..؟!! (3).
هذا هو الدور التنصيري العنصري والذي جنّدَ وما يزال الطب وهو مهنة إنسانية
نبيلة في هذا الهدف التخريبي الذي يفسد القلب والروح في مقابل إصلاح مضغة في
الجسد ، ويقوم بدور أقرب أن يكون نوعا من اللصوصية المقنعة .
رحم الله الإمام الشافعي على ما تحسّر عليه من كون الطب قد انتقل إلى أهل
الكتاب، حيث قال عاذلاً أهل الإسلام في تفريطهم في علوم الطب، يقول: (( ضيعوا
ثلث العلم ، و وَكلوه إلى اليهود والنّصارى )). ولكأنّه – رحمه الله – يشير
إلى الآثار السيئة المترتّبة على استحواذ أهل الكتاب على علوم الطب، مثل
إعراضهم عن أخلاق الطب وما ينبغي مراعاته فيه من آداب وأخلاقيات ، يقول
الإمام الشافعي ذلكم الكلام في عصره، حيث لا شوكة لأهل الكتاب ولا تسلّط ولا
فشوا للفواحش فيما بينهم آنذاك كحالهم اليوم، فماذا عسى ذلكم الإمام أن يقول
لو أدرك حال الغرب اليوم(4).
إذاً فالمجال الطبي من أوسع الأبواب التي دخل منها الداعون إلى النصرانية في
بلاد المسلمين وفي غير بلاد المسلمين، ولم يكن علم المهنة ولا تخصصها مانعاً
لمثل هؤلاء في استثمار المجال الذي يعملون فيه في الدعوة إلى النصرانية، وكما
نعلم فإن آلاف بل ملايين تحولوا من الإسلام إلى النصرانية من خلال هذه
البوابة ، بوابة الطب. وفي أندونيسيا مثال صارخ لمثل هذا الاستغلال البشع من
هؤلاء للدعوة إلى النصرانية من خلال التضليل والتدليس واستغلال حاجات الناس .
إذا كان كذلك فهل ينبغي أن يقشعر بدن كثير من المسلمين إذا قلنا لهم أن
المجال الطبي من أوسع مجالات الدعوة إلى الله عزوجل وكأنهم يظنوننا نريد أن
يترك الطبيب مجسه ومبضعه لأجل أن يتلو محاضرة !! ، لا نريد ذلك وإنما نريد
منه الكلمة الحسنة والأسلوب المهذب والتنبيه إلى المخالفة وإهداء ما يستطيع
من خلال عمله الطبي أو من خلال المجتمع الذي يعيش فيه. نأمل أن نرى المجال
الطبي من أنشط المجالات في نشر الدعوة وحض الناس على الخير ، ولسنا نطلب أن
تنقلب العيادات والمستشفيات إلى قاعات محاضرات ولا إلى منابر واعظين ،وإنما
نبتغي أن يستغل العاملون في هذا المجال مواقعهم المؤثرة لأجل أن يبلغوا ما
يستطيعون من الخير وأن يتخففوا قدر ما يستطيعون من المخالفة
(5).
ومما يزيدنا يقيناً بأهميّة الدعوة في المجال الطّبي و أن المستشفيات أرض
خصبة للدعوة ما للطب من علاقة جذرية بحياة الناس ، فمن من الناس لا يمرض ولا
يعتل ؟ ، ومَنْ مِنَ الناس لا يعتري صحته سقم ولا نصب ؟ ، فكل الناس كذلك –
إلاّ من شاء الله – لذا ترى الناس يهرعون إلى طلب الاستطباب طمعاً في الشفاء
، ويتحملون في ذلك الغالي والنفيس ، وكل ذلك يهون أمام نعمة الصحة والعافية
(6) .و قد عرف أعداؤنا ذلك و وظّفوه خير التوظيف ، فلا
يصيب بلدٌ كارثةٌ ولا نازلة إلا ويهرع أطباء الصليب، يعطون الدواء بيد،
والصليب باليد الأخرى.
هذه مشكلتنا
عندما يقلّب المرء نظره في مستشفياتنا ومراكزنا الصحيّة، و يتأمّل واقع العمل
الصحيّ اليوم، يرتدّ إليه بصره حسيراً ، لا لقصورٍ في العمل التقني، ولا في
التجهيزات ذات المستوى التقنّي المتقدّم، ولا في الكوادر المؤهّلة تأهيلاً
متميّزاً ؛ بل لقصورٍ مخلّ في أساس العمل الطبّي لدينا ، في الخلفية التي
نعمل من خلالها، في الكيفية التي نبرمج بها أنظمتنا. بدايةً من التخطيط لبناء
أيّ مستشفى في بلدٍ إسلامي، أين التفكير المبكّر في وضع تصميم يُراعى فيه
الفصل بين النّساء والرجال، أماكن الصلاة و ما إلى ذلك . مروراً باختيار
العاملين واستقدامهم من بلدان كافرة ، انتهاءً إلى عدم وضع تصحيح جذري لوضع
الكليّات الطبيّة لدينا و إعادة تأهيلها شرعياً لتصبح كليّات طبيّة إسلاميّة.
وبين كل ذلك معاناة المجال الصحي الرئيسية وأساس المشاكل ، الاختلاط.
مشكلتنا الأساسية اليوم أننا ورثنا الطب من الأسلوب الغربي شئنا أم أبينا،
هذا الأسلوب الغربي الذي صرنا نقلّده تقليداً كاملاً في أسلوب التدريس
وطريقته، وفي طبيعة ما يدرّس ، ثم في طريقة التطبيق العمليّ، والتخصص بعد ذلك
، حتى في كيفية فحص المرضى . الغرب له خلفيته الثقافية والعقدية التي يرى من
خلالها القضايا، ونحن لنا عقائدنا وديننا ومفهومنا المستقل وإدراك ذلك يقودنا
إلى إصلاح الأصل والأساس. لماذا يجب على طالب الطب – مثلاً – أن يولّد نسوة
ويتجاوز الشرع والأحكام؟!..، هل لأن جورج وسميث أقرّا ذلك..؟!!
(7).
الإسلام يرفض ذلك النمط من الطب والأطباء المتقوقع داخل ذاته ، لا يعلم من
أمر الدنيا إلا القليل ، ولا يعلم من أمر دينه غير الأقل ، ولقد اكتسبنا هذا
النمط من الطب والأطباء من الطب الغربي الحديث الذي يزداد تقوقعاً وتجزءاً
كلما تقدم في العلم. وكلنا يعرف كيف كان حال الطبيب في تاريخنا الإسلامي،
وكيف كانت مساحة المعرفة بين علمه وفنه التقني ، وبين مجالات الثقافة الواسعة
والوعي الإسلامي الصحيح فالتكامل والشمول صفتان منبثقتان انبثاقاً مباشراً من
الإسلام وهما ملازمتان لشخصية المسلم الصحيح فهما في الطب ألزم ، لأن مهمة
الطب والطبيب هي المشاركة الفعالة في إيجاد الإنسان الصحيح ، سواء بعلاج
المرض أو تفادي وقوعه ، علاجاً لا يعتمد فقط على التحديد القاصر لمفهوم الصحة
والمرض في العلم المادي ، ولكن بمعناها الشامل المتكامل كما يبدو من خلال
المفهوم الإسلامي . وإذا تيقن الطبيب المسلم أن "الاستواء الصحي" بمعناه
الواسع الذي يستوعب حياة الإنسان بكاملها : جسماً وعقلاً وروحاً ، وخلقاً
وسلوكاً ، فطرةً واكتساباً، وهو "سلامة وصحة" ذات مفهوم تعجز كل النظم الأخرى
عن استيعاب جوانبه فضلا عن محاكاته وبه تصلح حياة الفرد الإنسانية ، ومن ثم
حياة المجتمع البشري ؛ فإنه يستطيع أن ينشئ طباً يكون فتحاً في عالم الطب ،
ونوراً يهدي إلى البشرية التي تتخبطها ظلمات الحياة رغم منجزات العلم الهائلة(.
فحريّ بالطبيب وطالب الطب بعد أن أدرك هذه الحقائق أن يسعى جادّاً لتطوير
ذاته، و بنائها بناءً متكاملاً، لا يتعلّم الطب فقط ؛ بل أخلاقيات الطب وآداب
الطبيب و ما يحتاج إليه من زادٍ شرعي كفردٍ مسْلِم. لا يلبس المعطف الأبيض
فينفصل عن كل ما ليس له علاقة بالطب في نظره، بل عليه أن يكون بردائه الأبيض
الطبيب والمربّي والداعية المصْلِح الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر، فالطب
والدّعوة قرينان، وليس النصراني أولى منه بذلك.
الطبيب الداعية : طبيبٌ مسْلِم أم مسلمٌ
طبيب..؟
أول ما يتميز به الطبيب الداعية أن يكون مسلماً طبيباً لا طبيباً مسلماً فحسب
، يعني قبل كل شيء أن يكون هدفه الأول هو الإسلام ، وأما الطب فهو وسيلة
لخدمة هذا الهدف أولاً ، ثم لكسب عيشه في حياته الدنيا ثانياًً ، مدركاً بذلك
قوله تعالى : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلالِيَعْبُدُونِ)) (الذريات:56)
(9).
إن تعبير" المسلم الطبيب " يعني بالضرورة أن يكون هذا الطبيب قدوة صحيحة
ممثلة للإسلام خير تمثيل بواقعه كله ، فما أسوأ أن ينفصل القول عن العمل ،
والواقع عن المثال ، وما أخطر النتائج التي تترتب على مثل هذا الانفصال ، في
الدنيا على مرضاه وتلاميذه ومعاونيه في العمل ، وفي الآخرة حيث يكون المقت
الشديد عند الله (10).
فالمسلم الطبيب هو حقيقةً داعية إلى الله عز وجل بالدرجة الأولى وإن المجال
الذي يعمل فيه الطبيب المسلم يؤهله للقيام بدور كبير في الدعوة إلى الله عز
وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي تصحيح واقع كثير من الناس
(11) .
إن الدعوة إلى الله تحتاج إلى إخلاص العمل لله عز وجل وإصلاح النفس وتهذيبها
وتزكيتها . وأن يكون لدى الداعية فقه في الدعوة إلى الله وفق منهج الله الذي
شرعه لعباده ، وهذا الجانب يحتاج من الطبيب إلى التفقه في الدين في الأمور
التي تواجهه في ممارساته اليومية ، وسؤال أهل العلم قال تعالى :
((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) (الأنبياء:7)
، ومجالسة العلماء وحضور بعض حلقات الذكر وطلب العلم في مجال التخصص
(12).
ما هي الفرصة الذهبية للطبيب المسلم..؟
في قصّة أصحاب الأخدود، يمرّ بنا الغلام الذي جعل الله له شيئاً من الخصائص،
فقد كان – بقدرة الله - يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى، و كان لا يعالج أحداً
حتى يقول له إذا آمنت بالله تعالى ودخلت دين الإسلام فإني أدعو الله لك
فيبرئك فيؤمن وزير الملك الذي كان أعمى ويؤمن به أقوام ثم يقدّم حياته رخيصة
لإعلاء كلمة الله وتسلم القرية بل المدينة بأكملها بسبب هذا الطبيب المسلم
الذي استغلّ مهنة الطب في الدعوة إلى الله تعالى.
والداعية إلى الله عموماً في المجتمع قد يصَادف بصدود كبير وبمقاومات عنيفة
وعوامل كثيرة تجعله لا يستطيع أن يوصل ما يريد إيصاله من الأفكار الإسلامية
للناس ، ولكن الطبيب عنده فرصة ذهبية لا تكاد توجد لغيره فهو يتعامل مع الشخص
في حالة ضعف ، والشخص عندما يكون مريضاً أو على وشك الموت فإنه يكون في حالة
من التقبّل لتقوية صلته بالله أكثر من أي شخص آخر، وهنا تبرز قضية الجانب
الإيجابي الذي يتمتع به كثير من الأطباء والذي لا يوجد لغيرهم من المسلمين
الذين يعتنون بالدعوة إلى الله في أماكن أخرى (13).
من أين نبدأ إعداد الطبيب الداعية..؟
من كليّات الطب يبدأ الإعداد، والإعداد نقصد به الإعداد العلميّ الطبيّ
والإعداد الدّعوي الديني، أما الأول فكليّاتنا الطبيّة من أحرص المدارس
الطبيّة عليه، وأما الإعداد الدّعوي الديني فنقصد به ذلك الإعداد الذي يؤهل
طالب الطب ليكون طبيباً داعية، بل داعية وهو على مقاعد الدراسة في كلية الطب
، أن يكون مدركاً لحقائق الإسلام ، عقيدة وشريعةً ، خلقاً وسلوكاً وغايةً، لا
تكون حماسته للعمل الدعوي مجرد شعلة و تنطفئ أو عواطف مشبوبة لا تؤدي دوراً
إيجابياً في واقع الحياة ، وإنما يكون مطلعاً على آفاق المعركة الدائرة بين
الحق والباطل ، بين الإسلام وأعدائه، أن يكون إنساناً مسلماً تنطق أفعاله
وأقواله بخلق الإسلام .
أساتذة كليات الطب والمشرفون على شؤونها
الأكاديمية
لابدّ أن يكون الأساتذة في كليّة الطب قدوة لطلابهم وطالباتهم في تمثيل
الإسلام والدعوة خير تمثيل، يتعلمون منهم الاستئذان والدعاء للمريض والرّفق
به ومراعاة شعوره، يتعلّمون منهم أن يسألوا المريض عن حاله مع الطهارة
والصلاة، يتعلمون منهم أن يكون مشاعل خير تربط بين الطب والدعوة في كل درس ،
وأمام كل مريض، وعند كل لقاء، يتعلمون منهم أن الضرورات تقدّر بقدرها، فلا
كشفٌ جائرٌ للعورة، يتعلمون منهم ترديد النداء عند الأذان والمسارعة لأداء
الصلاة جماعة في وقتها، يتعلمون منهم غضّ البصر والتخلّق بخلق الحياء،
يتعلّمون منهم اللين والسماحة في المعاملة والابتسامة والرفق والبشاشة.
ويعلم الطلبة تماماً أثر تصرّفات الأساتذة سلبية كانت أم إيجابية في أنفسهم،
إنه أثرٌ عظيمٌ جداً ، يصبح مادةً لحديثهم أيّاماً، ويذكرونه ولو بعد حين ،
فليعي الأساتذة ذلك وليكونوا قدوةً حسنة فقد يعالجون مريضاً واحداً،
وبتخريجهم هؤلاء الأطباء يعالجون أضعافاً مضاعفة ، فليسنّوا سنناً حسنة ليكون
لهم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
والكلمات من الأساتذة تقع من الطلاب والطالبات موقعاً عظيماً، فما أجمل أن
يعلم الأساتذة طلبتهم شعيرة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فكم أثّرت
كلماتُ أستاذٍ في نفسِ طالبةٍ متبرّجة ، وكم أثّرت في طالبٍ مدخّن، وآخرَ
مفرّط في الصلاة أو إطلاق النّظرات.
وكم من أستاذٍ أضاف إلى طالبه وطالبته الجرأة في الحق ، والدعوة بالحكمة
والموعظة الحسنة، فهذّب حماسهم و سدّد اندفاعهم و وازن على طريق الخير والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر خطاهم ، و كان خير عونٍ لهم في التعامل مع ما
يعترض طريقهم من مواقف ومنكرات.
لابدّ أن ينبّه الأساتذة طلبتهم إلى أننا ورثنا الطب عن الغرب بإيجابياته
ومساوئه، وأننا يجب أن نسعى جاهدين لأسلمة الطب ، وأن يكون العمل الطبي ضمن
رؤية إسلامية. ينبغي للأستاذ أن يعمّق هذه القضية في نفوس طلبته حتى يكبر
الطالب و هو يحمل هدفاً وغاية، تحمله إلى الإخلاص والإتقان في طلب علم الطب
وفي الوقت ذاته تحمله إلى الإبداع والانفصال عن المؤسسات الغربية، فيكون له
تفكيره ونمطه الإبداعي الذي يناسب قيمه وشريعته الغرّاء، حتى ننجوا من
التقليد والتبعية المقيتة والإعجاب بالنموذج الغربي . فليعلّم الأساتذة
طلبتهم الثقة بالنّفس والاعتداد بشخصيّة الفرد المسلم ، كما قال الشيخ علي
الطنطاوي – رحمه الله – في ذكرياته : (( عندنا أطباء وعندنا مستشفيات وعندنا
تجهيزات ووسائل للشفاء ، كل هذا عندنا ولكن ليست عندنا الثقة بأنفسنا . فإذا
وثقنا بأنفسنا وأطبائنا وراجع الأطباء أنفسهم فنزهوها عن عيوبها واستكملوا
فضائلها لم نحتج معهم إلى غيرهم (14))) .
لابد من تحريك الهمم إلى الدعوة إلى الله تعالى في أوساط الطلبة والطالبات من
قِبَل الأطباء المشرفين عليهم ، وليعملوا على إيجاد مجموعات دعوية في أوساط
طلبة وطالبات كلية الطب (15). وليحرص الأساتذة الفضلاء
كل الحرص على إبعاد الطالبات عن مواطن الفِتَن والشُبَه وما يتم الواجب بدونه.
ولابدّ أن تُعنى اللجان المسؤولة عن الطلبة والمناهج بتغذية طالب كلية الطب
بما يحتاجه من زاد ديني دعوي، مما لا يُستغنى عن معرفته، ويحتاجه الطبيب في
حياته اليومية من أحكام، كأحكام الطهارة والصلاة وإزالة النجاسة والصيام
وأحكام الممارسات الطبية المختلفة، وطرق التعامل والحكم على كل حالة ،
فالطبيب في مرحلة من حياته سيُعيِن الفقيه في تبيان حكم شرعي، وهو يومياً
يقابل مرضاً يحتاجون فتاوى في شأن الطهارة والصلاة والصيام ، وقبل ذلك هو
يعيش في بيئة مختلفة مختَلَطَة يحتاج معها إلى بيان أحكام التعامل مع النساء
والكفار وغيــــرهم، وبعض الكليّات الطبية اهتمت بهذا الجانب عناية طيّبة في
إدراج مقرر أخلاقيات الطبيب المسلم ضمن مناهجها.
ولا بدّ أن تُعْنَى عناية خاصّة بمراعاة احتياجات الطالبات والطلاب التعليمية
والوظيفية فيما بعد، فتؤهّل الطالبات - مثلاً – لمعرفة كل ما يتعلّق بطبّ
النساء والولادة باستفاضَة، و كل الأمراض التي يمكن أن تصيبهنّ كما تصيب
الرّجال و كيفية التعامل معها ، وفي المقابل أن تدرّس الطلاب طب النساء
والولادة بمقدارٍ محدود لا يُلزَمُون معه بفحص العورات المغلّظة للنّساء ،
ولا يتجاوزون الأحكام الشرعيّة في أحكام العورات والضرورات.
ولابدّ أن تُعنى بالاستضافة الدورية للعلماء الأفاضل وطلبة العلم وعقد
اللقاءات المفتوحة معهم ، والعناية الخاصّة بعقد المسابقات في حفظ القرآن
الكريم والسنّة النبوية والمتون العلميّة، إضافة لتشجيع الطلبة على الالتحاق
باللجان الطبية الدعوية المختلفة، و الحرص على إقامة الرحلات وما تحمله من
قيمة دعوية غنيّة ، والاهتمام بدعوة الطالبات خاصّة.
طلاب الطب
إن المفتاح السحري وبيت القصيد في إعداد الطبيب الداعية هو عزة طالب الطب
بدينه، اعتزازه بالإسلام ، ومعرفة أن عليه واجبات محتمة المعرفة والأداء،
يعرف واجبه بوجوب الإتقان و الإخلاص و التعبّد لله بطلب هذا العلم فإنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، يعلم يقيناً أنه متى ما أخلص النية
لله وقصد وجهه و طلب رضاه وسخر موقعه في الدعوة إليه ؛ تيسرت له الأمور من
حيث لا يحتسب وبورك له في أوقاته وأعماله وعلمه ورفعت درجاته في عليين بل
وطرح له القبول عند أهل الأرض والسماء!!.. ، فهو مأجور مادام يطلب العلم لله
ولم ينسَ الله ساعة ..!!
يجب على طالب الطب أن يخلص في طلب علم الطب، وأن يُتقِن في التعلّم و
التّطبيق ، و يواكب آخر المستجدّات العلمية مهما نال من الدّرجات العلميّة،
فالله سبحانه وتعالى يقول : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ)) (المجادلة:11) ، فالطبيب المتقن المتبحّر في علمه ، واسع الإطّلاع
لا شكّ مقدّم على غيره، متميزٌ أيّما تميّز ، كلمته مسموعة، ورأيه محلّ قبول،
و إبداعه وتفوقه أداة دعوة خيرٍ في المؤتمرات المحليّة والمحافل العالمية.
هاهما المفتاحان .. الإتقان و الإخلاص والنزاهة في طلب العلم .. و الاعتزاز
بالإسلام و الحفاظ عليه والنهل من علومه قدر الاستطاعة للقيام بواجب الدعوة
المحتم على كل من تسمّى باسم الإسلام ..!!
إن الذي يعيش لنفسه دون أن يفكر بمن حوله، دون أن يضع أمامه أهدافاً دعوية
طامحة، دون أن يفرغ نفسه ساعة في الأسبوع لطلب علم شرعي وحفظ وجه من القرآن،
و دون أن يفكّر في مشاريع تخدم الإسلام من خلال هذا العلم الذي أنعم الله
عليه به ؛ قد يعيش مستريحا ، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً ، فأما الكبير
الذي يحمل هذا العبء الكبير ((همّ الدعوة )) فماله والنوم ؟ ، وماله والراحة
؟، ماله والفراش الدافئ؟ ، والعيش الهادئ والمتاع المريح ؟ .ولقد عرف رسولنا
صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وقدره ، فقال لأم المؤمنين خديجة رضي الله
عنها : ((مضى عهد النوم يا خديجة )).. ،و نحن نقول : (( مضى عهد النوم يا
طلبة الطب )).
وحتى لا تكون كلماتنا وطموحنا مجرد فقاعات طائرة .. سرعان ما تنفجر مخلفة في
الفراغ لا شيء ؛ كان لزاماً على الطلاب والطالبات أن يوطّنوا أنفسهم على عدة
أمور وأن يرسموا الأهداف و يخطونّ الطريق للوصول للصورة المثالية للطبيب
المسلم الداعية:
1-
أحوج ما يحتاجه طالب الطب قدوة ناطقة ، صادقة مع الله و مع نفسها ، متقنة
مخلصة في عملها ، تنطق بعطائها أفعالها، و تخطّ أخلاقها وهمّتها العالية درب
طموحه ، فيستيقظ المارد العملاق ويرى هذا النموذج المبهر فيكون الاقتداء هو
الأمل ومن أجله العمل.
2-
الدعوة إلى الله على بصيرة واجب خاصة في حالته و في المجتمع الذي يخالط،
يخالط الكبير والصغير، البرّ والفاجر، المسلم والكافر، ولكل هؤلاء طريقة في
الدعوة و بوابة للإصلاح الذي يبدأ من نفسه أولاً فيكون قدوة في تعاملاته
وأخلاقه ، وكما ذكر أحد الدعاة فهناك عوامل مهمة لبناء شخصية الداعية ومنها:
أولا:
إصلاح النفس وتربيتها على الإيمان والتقوى؛ فإن الداعية يدعو بعمله قبل أن
يدعو بقوله، وهو عرضة لآفات عدة، فما لم يكن متسلحاً بسلاح التقوى فلن يستطيع
أن يقوم بالواجب على الوجه الذي ينبغي.
ثانيا:
لابد من تنقية النفس من الصفات المذمومة، كالعجلة والسفه والطيش والجبن
والبخل والكسل وغيرها من الصفات.
ثالثا:
أن يتعلم العلوم الشرعية التي يحتاجها، والعلم الشرعي درجات ورتب متفاوتة،
وكل يأخذ منه بحسب ما آتاه الله من حرص وقدرة، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في
الدين.
رابعا:
أن يتعلم ويتقن المهارات الاجتماعية التي تعينه على بناء علاقة جيدة مع
الناس، وتجعله شخصية محبوبة.
خامسا:
أن يتعلم المهارات الدعوية، كمهارة الحوار، والإقناع، والتأثير و الاتصال...
وغيرها.
سادسا:
أن يتعلم ويتقن الوسائل الدعوية التي
تعينه على إيصال رسالته الدعوية للناس.
سابعاً:
أن يتعلم المهارات الشخصية التي تعينه على تنظيم حياته ووقته بما يخدم دعوته،
كإدارة الوقت، وإدارة الاجتماعات...ونحو ذلك.
والأنفاس معدودة ، والموت قد يأتي بغتة ، والأطباء - بصفة خاصـة - أكـثـر
الـنـاس معايشة لهذه المفاهيم ، لأنهم يحسون بها كل يوم ، بل في اليوم أكثر
من مرة أحياناً.. يشاهدون لحظات الموت حية أمام نواظرهم.. يتابعون الاحتضار
لحظة بلحظة.. كما أنهم يعايشـون أحاسيس أهل المريض عند موته ، لذا كان من
الطبيعي أن يكونوا أكثر معرفة بالله وخوفـاً منه ، إن قورنوا بعامة الناس ،
ولكن - للأسف الشديد - فإن القليل منهم في هذا الزمان يعي أهمية دوره كطبيب
في الدعوة إلى الله (1).
ودّوا لو تكفــــــرون
حرص أعداء الإسلام على اختلاف أجناسهم وألوانهم وبلدانهم على الجد في تحصيل
علم الطب ، وبلغوا أرفع الدرجات ، ومما لا شك فيه ولا ريب أن من أعظم مقاصدهم
تسخير نتيجة تحصيلهم في الدعوة إلى دينهم أو إخراج المسلم من دينه ليعيش بلا
دين . واقرأ قولهم (( حيث تجد بشراً تجد آلاماً ، وحيث تكون الآلام تكون
الحاجة إلى الطبيب ، وحيث تكون الحاجة إلى الطبيب فهنالك فرصة مناسبة للتبشير
)) ، وهكذا اتخذ المبشرون الطب ستاراً يقتربون تحته من المرضى . واقرأ أيضاً
قول أحدهم ويدعى الطبيب ( بول هاريسون) قال في كتابه – الطبيب في بلاد العرب
- : (( إن المبشر لا يرضى عن إنشاء مستشفى ولو بلغت منافع ذلك المستشفى منطقة
( عُمان ) بأسرها . لقد وُجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها
نصارى)) . وصدق في قوله وهو الكذوب ، فلقد أفصح عن أمر بيّته في نفسه وعنه
يدافع وناضل . وصدق الله ، ومنْ أصدق من الله قيلاً ومَنْ أصدق من الله
حديثاً : (( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى
تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (البقرة:120) ، ولهذا كان بعضهم لا يعالج المريض
أبداً إلاّ بعد أن يحمله على الاعتراف بأن الذي يشفيه هو المسيح. وفي الحبشة
كانت المعالجة لا تبدأ إلاّ بعد أن يركع المريض ويسأل المسيح أن يشفيه . تقول
( ايرا هاريس ) في نصيحتها للطبيب الذاهب إلى مهمة تبشيرية : (( يجب أن تنتهز
الفرص لتصل إلى آذان المسلمين وقلوبهم فترسخ بهم الإنجيل ، إيّاك أن تضيع
التطبيب في المستوصفات والمستشفيات فإنه أثمن تلك الفرص على الإطلاق ، ولعل
الشيطان يريد أن يفتنك فيقول لك : إن واجبك التطبيب فقط لا التبشير فلا تسمع
منه ))(2).
قامت منظّمة تنصيرية تدعى ( عملية البركة الدولية) وهي تابعة لمنظمة " شبكة
الإذاعة المسيحية" والتي يرأسها منصّر أمريكي يدعى " بات روبرتسون" مرشّح
الانتخابات الأمريكية عام 1987 ، قامت تلك المنظمة بتجهيز طائرة لوكهيد (
L-50-1011) وتحويلها إلى مستشفى طائر ضخم بكلفة خمسة وعشرين مليون دولار،
مزوّد بجميع المعدّات اللازمة للعمليات الجراحية والعلاجية، بحيث يجوب مناطق
كثيرة في العالم ويمكث في مناطق محدّدة ومختارة لمدد تتراوح ما بين أسبوع إلى
عشرة أيام ، ويقدّم خدماته بالمجّان، ولكن كانت حقيقة هذا العمل المجّاني هي
تنصير النّاس، فقبل بدء الكشف والعلاج يُسْأل عن ديانته، ثم يستمع لمحاضرة
لمدة عشر دقائق حول المسيح عليه السلام، وعن دين النّصارى ، وضرورة البحث عن
الخلاص في رحاب المسيح، ثم يعطى كمية من الكتب والنشرات ويُطلَب منه دراستها
والحضور إلى عنوان معيّن بعد أيّام!!. مستشفى طبّي طائر للتنصير..، ألا تقدر
أمة المليار نفس على مثله..؟!! (3).
هذا هو الدور التنصيري العنصري والذي جنّدَ وما يزال الطب وهو مهنة إنسانية
نبيلة في هذا الهدف التخريبي الذي يفسد القلب والروح في مقابل إصلاح مضغة في
الجسد ، ويقوم بدور أقرب أن يكون نوعا من اللصوصية المقنعة .
رحم الله الإمام الشافعي على ما تحسّر عليه من كون الطب قد انتقل إلى أهل
الكتاب، حيث قال عاذلاً أهل الإسلام في تفريطهم في علوم الطب، يقول: (( ضيعوا
ثلث العلم ، و وَكلوه إلى اليهود والنّصارى )). ولكأنّه – رحمه الله – يشير
إلى الآثار السيئة المترتّبة على استحواذ أهل الكتاب على علوم الطب، مثل
إعراضهم عن أخلاق الطب وما ينبغي مراعاته فيه من آداب وأخلاقيات ، يقول
الإمام الشافعي ذلكم الكلام في عصره، حيث لا شوكة لأهل الكتاب ولا تسلّط ولا
فشوا للفواحش فيما بينهم آنذاك كحالهم اليوم، فماذا عسى ذلكم الإمام أن يقول
لو أدرك حال الغرب اليوم(4).
إذاً فالمجال الطبي من أوسع الأبواب التي دخل منها الداعون إلى النصرانية في
بلاد المسلمين وفي غير بلاد المسلمين، ولم يكن علم المهنة ولا تخصصها مانعاً
لمثل هؤلاء في استثمار المجال الذي يعملون فيه في الدعوة إلى النصرانية، وكما
نعلم فإن آلاف بل ملايين تحولوا من الإسلام إلى النصرانية من خلال هذه
البوابة ، بوابة الطب. وفي أندونيسيا مثال صارخ لمثل هذا الاستغلال البشع من
هؤلاء للدعوة إلى النصرانية من خلال التضليل والتدليس واستغلال حاجات الناس .
إذا كان كذلك فهل ينبغي أن يقشعر بدن كثير من المسلمين إذا قلنا لهم أن
المجال الطبي من أوسع مجالات الدعوة إلى الله عزوجل وكأنهم يظنوننا نريد أن
يترك الطبيب مجسه ومبضعه لأجل أن يتلو محاضرة !! ، لا نريد ذلك وإنما نريد
منه الكلمة الحسنة والأسلوب المهذب والتنبيه إلى المخالفة وإهداء ما يستطيع
من خلال عمله الطبي أو من خلال المجتمع الذي يعيش فيه. نأمل أن نرى المجال
الطبي من أنشط المجالات في نشر الدعوة وحض الناس على الخير ، ولسنا نطلب أن
تنقلب العيادات والمستشفيات إلى قاعات محاضرات ولا إلى منابر واعظين ،وإنما
نبتغي أن يستغل العاملون في هذا المجال مواقعهم المؤثرة لأجل أن يبلغوا ما
يستطيعون من الخير وأن يتخففوا قدر ما يستطيعون من المخالفة
(5).
ومما يزيدنا يقيناً بأهميّة الدعوة في المجال الطّبي و أن المستشفيات أرض
خصبة للدعوة ما للطب من علاقة جذرية بحياة الناس ، فمن من الناس لا يمرض ولا
يعتل ؟ ، ومَنْ مِنَ الناس لا يعتري صحته سقم ولا نصب ؟ ، فكل الناس كذلك –
إلاّ من شاء الله – لذا ترى الناس يهرعون إلى طلب الاستطباب طمعاً في الشفاء
، ويتحملون في ذلك الغالي والنفيس ، وكل ذلك يهون أمام نعمة الصحة والعافية
(6) .و قد عرف أعداؤنا ذلك و وظّفوه خير التوظيف ، فلا
يصيب بلدٌ كارثةٌ ولا نازلة إلا ويهرع أطباء الصليب، يعطون الدواء بيد،
والصليب باليد الأخرى.
هذه مشكلتنا
عندما يقلّب المرء نظره في مستشفياتنا ومراكزنا الصحيّة، و يتأمّل واقع العمل
الصحيّ اليوم، يرتدّ إليه بصره حسيراً ، لا لقصورٍ في العمل التقني، ولا في
التجهيزات ذات المستوى التقنّي المتقدّم، ولا في الكوادر المؤهّلة تأهيلاً
متميّزاً ؛ بل لقصورٍ مخلّ في أساس العمل الطبّي لدينا ، في الخلفية التي
نعمل من خلالها، في الكيفية التي نبرمج بها أنظمتنا. بدايةً من التخطيط لبناء
أيّ مستشفى في بلدٍ إسلامي، أين التفكير المبكّر في وضع تصميم يُراعى فيه
الفصل بين النّساء والرجال، أماكن الصلاة و ما إلى ذلك . مروراً باختيار
العاملين واستقدامهم من بلدان كافرة ، انتهاءً إلى عدم وضع تصحيح جذري لوضع
الكليّات الطبيّة لدينا و إعادة تأهيلها شرعياً لتصبح كليّات طبيّة إسلاميّة.
وبين كل ذلك معاناة المجال الصحي الرئيسية وأساس المشاكل ، الاختلاط.
مشكلتنا الأساسية اليوم أننا ورثنا الطب من الأسلوب الغربي شئنا أم أبينا،
هذا الأسلوب الغربي الذي صرنا نقلّده تقليداً كاملاً في أسلوب التدريس
وطريقته، وفي طبيعة ما يدرّس ، ثم في طريقة التطبيق العمليّ، والتخصص بعد ذلك
، حتى في كيفية فحص المرضى . الغرب له خلفيته الثقافية والعقدية التي يرى من
خلالها القضايا، ونحن لنا عقائدنا وديننا ومفهومنا المستقل وإدراك ذلك يقودنا
إلى إصلاح الأصل والأساس. لماذا يجب على طالب الطب – مثلاً – أن يولّد نسوة
ويتجاوز الشرع والأحكام؟!..، هل لأن جورج وسميث أقرّا ذلك..؟!!
(7).
الإسلام يرفض ذلك النمط من الطب والأطباء المتقوقع داخل ذاته ، لا يعلم من
أمر الدنيا إلا القليل ، ولا يعلم من أمر دينه غير الأقل ، ولقد اكتسبنا هذا
النمط من الطب والأطباء من الطب الغربي الحديث الذي يزداد تقوقعاً وتجزءاً
كلما تقدم في العلم. وكلنا يعرف كيف كان حال الطبيب في تاريخنا الإسلامي،
وكيف كانت مساحة المعرفة بين علمه وفنه التقني ، وبين مجالات الثقافة الواسعة
والوعي الإسلامي الصحيح فالتكامل والشمول صفتان منبثقتان انبثاقاً مباشراً من
الإسلام وهما ملازمتان لشخصية المسلم الصحيح فهما في الطب ألزم ، لأن مهمة
الطب والطبيب هي المشاركة الفعالة في إيجاد الإنسان الصحيح ، سواء بعلاج
المرض أو تفادي وقوعه ، علاجاً لا يعتمد فقط على التحديد القاصر لمفهوم الصحة
والمرض في العلم المادي ، ولكن بمعناها الشامل المتكامل كما يبدو من خلال
المفهوم الإسلامي . وإذا تيقن الطبيب المسلم أن "الاستواء الصحي" بمعناه
الواسع الذي يستوعب حياة الإنسان بكاملها : جسماً وعقلاً وروحاً ، وخلقاً
وسلوكاً ، فطرةً واكتساباً، وهو "سلامة وصحة" ذات مفهوم تعجز كل النظم الأخرى
عن استيعاب جوانبه فضلا عن محاكاته وبه تصلح حياة الفرد الإنسانية ، ومن ثم
حياة المجتمع البشري ؛ فإنه يستطيع أن ينشئ طباً يكون فتحاً في عالم الطب ،
ونوراً يهدي إلى البشرية التي تتخبطها ظلمات الحياة رغم منجزات العلم الهائلة(.
فحريّ بالطبيب وطالب الطب بعد أن أدرك هذه الحقائق أن يسعى جادّاً لتطوير
ذاته، و بنائها بناءً متكاملاً، لا يتعلّم الطب فقط ؛ بل أخلاقيات الطب وآداب
الطبيب و ما يحتاج إليه من زادٍ شرعي كفردٍ مسْلِم. لا يلبس المعطف الأبيض
فينفصل عن كل ما ليس له علاقة بالطب في نظره، بل عليه أن يكون بردائه الأبيض
الطبيب والمربّي والداعية المصْلِح الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر، فالطب
والدّعوة قرينان، وليس النصراني أولى منه بذلك.
الطبيب الداعية : طبيبٌ مسْلِم أم مسلمٌ
طبيب..؟
أول ما يتميز به الطبيب الداعية أن يكون مسلماً طبيباً لا طبيباً مسلماً فحسب
، يعني قبل كل شيء أن يكون هدفه الأول هو الإسلام ، وأما الطب فهو وسيلة
لخدمة هذا الهدف أولاً ، ثم لكسب عيشه في حياته الدنيا ثانياًً ، مدركاً بذلك
قوله تعالى : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلالِيَعْبُدُونِ)) (الذريات:56)
(9).
إن تعبير" المسلم الطبيب " يعني بالضرورة أن يكون هذا الطبيب قدوة صحيحة
ممثلة للإسلام خير تمثيل بواقعه كله ، فما أسوأ أن ينفصل القول عن العمل ،
والواقع عن المثال ، وما أخطر النتائج التي تترتب على مثل هذا الانفصال ، في
الدنيا على مرضاه وتلاميذه ومعاونيه في العمل ، وفي الآخرة حيث يكون المقت
الشديد عند الله (10).
فالمسلم الطبيب هو حقيقةً داعية إلى الله عز وجل بالدرجة الأولى وإن المجال
الذي يعمل فيه الطبيب المسلم يؤهله للقيام بدور كبير في الدعوة إلى الله عز
وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي تصحيح واقع كثير من الناس
(11) .
إن الدعوة إلى الله تحتاج إلى إخلاص العمل لله عز وجل وإصلاح النفس وتهذيبها
وتزكيتها . وأن يكون لدى الداعية فقه في الدعوة إلى الله وفق منهج الله الذي
شرعه لعباده ، وهذا الجانب يحتاج من الطبيب إلى التفقه في الدين في الأمور
التي تواجهه في ممارساته اليومية ، وسؤال أهل العلم قال تعالى :
((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) (الأنبياء:7)
، ومجالسة العلماء وحضور بعض حلقات الذكر وطلب العلم في مجال التخصص
(12).
ما هي الفرصة الذهبية للطبيب المسلم..؟
في قصّة أصحاب الأخدود، يمرّ بنا الغلام الذي جعل الله له شيئاً من الخصائص،
فقد كان – بقدرة الله - يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى، و كان لا يعالج أحداً
حتى يقول له إذا آمنت بالله تعالى ودخلت دين الإسلام فإني أدعو الله لك
فيبرئك فيؤمن وزير الملك الذي كان أعمى ويؤمن به أقوام ثم يقدّم حياته رخيصة
لإعلاء كلمة الله وتسلم القرية بل المدينة بأكملها بسبب هذا الطبيب المسلم
الذي استغلّ مهنة الطب في الدعوة إلى الله تعالى.
والداعية إلى الله عموماً في المجتمع قد يصَادف بصدود كبير وبمقاومات عنيفة
وعوامل كثيرة تجعله لا يستطيع أن يوصل ما يريد إيصاله من الأفكار الإسلامية
للناس ، ولكن الطبيب عنده فرصة ذهبية لا تكاد توجد لغيره فهو يتعامل مع الشخص
في حالة ضعف ، والشخص عندما يكون مريضاً أو على وشك الموت فإنه يكون في حالة
من التقبّل لتقوية صلته بالله أكثر من أي شخص آخر، وهنا تبرز قضية الجانب
الإيجابي الذي يتمتع به كثير من الأطباء والذي لا يوجد لغيرهم من المسلمين
الذين يعتنون بالدعوة إلى الله في أماكن أخرى (13).
من أين نبدأ إعداد الطبيب الداعية..؟
من كليّات الطب يبدأ الإعداد، والإعداد نقصد به الإعداد العلميّ الطبيّ
والإعداد الدّعوي الديني، أما الأول فكليّاتنا الطبيّة من أحرص المدارس
الطبيّة عليه، وأما الإعداد الدّعوي الديني فنقصد به ذلك الإعداد الذي يؤهل
طالب الطب ليكون طبيباً داعية، بل داعية وهو على مقاعد الدراسة في كلية الطب
، أن يكون مدركاً لحقائق الإسلام ، عقيدة وشريعةً ، خلقاً وسلوكاً وغايةً، لا
تكون حماسته للعمل الدعوي مجرد شعلة و تنطفئ أو عواطف مشبوبة لا تؤدي دوراً
إيجابياً في واقع الحياة ، وإنما يكون مطلعاً على آفاق المعركة الدائرة بين
الحق والباطل ، بين الإسلام وأعدائه، أن يكون إنساناً مسلماً تنطق أفعاله
وأقواله بخلق الإسلام .
أساتذة كليات الطب والمشرفون على شؤونها
الأكاديمية
لابدّ أن يكون الأساتذة في كليّة الطب قدوة لطلابهم وطالباتهم في تمثيل
الإسلام والدعوة خير تمثيل، يتعلمون منهم الاستئذان والدعاء للمريض والرّفق
به ومراعاة شعوره، يتعلّمون منهم أن يسألوا المريض عن حاله مع الطهارة
والصلاة، يتعلمون منهم أن يكون مشاعل خير تربط بين الطب والدعوة في كل درس ،
وأمام كل مريض، وعند كل لقاء، يتعلمون منهم أن الضرورات تقدّر بقدرها، فلا
كشفٌ جائرٌ للعورة، يتعلمون منهم ترديد النداء عند الأذان والمسارعة لأداء
الصلاة جماعة في وقتها، يتعلمون منهم غضّ البصر والتخلّق بخلق الحياء،
يتعلّمون منهم اللين والسماحة في المعاملة والابتسامة والرفق والبشاشة.
ويعلم الطلبة تماماً أثر تصرّفات الأساتذة سلبية كانت أم إيجابية في أنفسهم،
إنه أثرٌ عظيمٌ جداً ، يصبح مادةً لحديثهم أيّاماً، ويذكرونه ولو بعد حين ،
فليعي الأساتذة ذلك وليكونوا قدوةً حسنة فقد يعالجون مريضاً واحداً،
وبتخريجهم هؤلاء الأطباء يعالجون أضعافاً مضاعفة ، فليسنّوا سنناً حسنة ليكون
لهم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
والكلمات من الأساتذة تقع من الطلاب والطالبات موقعاً عظيماً، فما أجمل أن
يعلم الأساتذة طلبتهم شعيرة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فكم أثّرت
كلماتُ أستاذٍ في نفسِ طالبةٍ متبرّجة ، وكم أثّرت في طالبٍ مدخّن، وآخرَ
مفرّط في الصلاة أو إطلاق النّظرات.
وكم من أستاذٍ أضاف إلى طالبه وطالبته الجرأة في الحق ، والدعوة بالحكمة
والموعظة الحسنة، فهذّب حماسهم و سدّد اندفاعهم و وازن على طريق الخير والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر خطاهم ، و كان خير عونٍ لهم في التعامل مع ما
يعترض طريقهم من مواقف ومنكرات.
لابدّ أن ينبّه الأساتذة طلبتهم إلى أننا ورثنا الطب عن الغرب بإيجابياته
ومساوئه، وأننا يجب أن نسعى جاهدين لأسلمة الطب ، وأن يكون العمل الطبي ضمن
رؤية إسلامية. ينبغي للأستاذ أن يعمّق هذه القضية في نفوس طلبته حتى يكبر
الطالب و هو يحمل هدفاً وغاية، تحمله إلى الإخلاص والإتقان في طلب علم الطب
وفي الوقت ذاته تحمله إلى الإبداع والانفصال عن المؤسسات الغربية، فيكون له
تفكيره ونمطه الإبداعي الذي يناسب قيمه وشريعته الغرّاء، حتى ننجوا من
التقليد والتبعية المقيتة والإعجاب بالنموذج الغربي . فليعلّم الأساتذة
طلبتهم الثقة بالنّفس والاعتداد بشخصيّة الفرد المسلم ، كما قال الشيخ علي
الطنطاوي – رحمه الله – في ذكرياته : (( عندنا أطباء وعندنا مستشفيات وعندنا
تجهيزات ووسائل للشفاء ، كل هذا عندنا ولكن ليست عندنا الثقة بأنفسنا . فإذا
وثقنا بأنفسنا وأطبائنا وراجع الأطباء أنفسهم فنزهوها عن عيوبها واستكملوا
فضائلها لم نحتج معهم إلى غيرهم (14))) .
لابد من تحريك الهمم إلى الدعوة إلى الله تعالى في أوساط الطلبة والطالبات من
قِبَل الأطباء المشرفين عليهم ، وليعملوا على إيجاد مجموعات دعوية في أوساط
طلبة وطالبات كلية الطب (15). وليحرص الأساتذة الفضلاء
كل الحرص على إبعاد الطالبات عن مواطن الفِتَن والشُبَه وما يتم الواجب بدونه.
ولابدّ أن تُعنى اللجان المسؤولة عن الطلبة والمناهج بتغذية طالب كلية الطب
بما يحتاجه من زاد ديني دعوي، مما لا يُستغنى عن معرفته، ويحتاجه الطبيب في
حياته اليومية من أحكام، كأحكام الطهارة والصلاة وإزالة النجاسة والصيام
وأحكام الممارسات الطبية المختلفة، وطرق التعامل والحكم على كل حالة ،
فالطبيب في مرحلة من حياته سيُعيِن الفقيه في تبيان حكم شرعي، وهو يومياً
يقابل مرضاً يحتاجون فتاوى في شأن الطهارة والصلاة والصيام ، وقبل ذلك هو
يعيش في بيئة مختلفة مختَلَطَة يحتاج معها إلى بيان أحكام التعامل مع النساء
والكفار وغيــــرهم، وبعض الكليّات الطبية اهتمت بهذا الجانب عناية طيّبة في
إدراج مقرر أخلاقيات الطبيب المسلم ضمن مناهجها.
ولا بدّ أن تُعْنَى عناية خاصّة بمراعاة احتياجات الطالبات والطلاب التعليمية
والوظيفية فيما بعد، فتؤهّل الطالبات - مثلاً – لمعرفة كل ما يتعلّق بطبّ
النساء والولادة باستفاضَة، و كل الأمراض التي يمكن أن تصيبهنّ كما تصيب
الرّجال و كيفية التعامل معها ، وفي المقابل أن تدرّس الطلاب طب النساء
والولادة بمقدارٍ محدود لا يُلزَمُون معه بفحص العورات المغلّظة للنّساء ،
ولا يتجاوزون الأحكام الشرعيّة في أحكام العورات والضرورات.
ولابدّ أن تُعنى بالاستضافة الدورية للعلماء الأفاضل وطلبة العلم وعقد
اللقاءات المفتوحة معهم ، والعناية الخاصّة بعقد المسابقات في حفظ القرآن
الكريم والسنّة النبوية والمتون العلميّة، إضافة لتشجيع الطلبة على الالتحاق
باللجان الطبية الدعوية المختلفة، و الحرص على إقامة الرحلات وما تحمله من
قيمة دعوية غنيّة ، والاهتمام بدعوة الطالبات خاصّة.
طلاب الطب
إن المفتاح السحري وبيت القصيد في إعداد الطبيب الداعية هو عزة طالب الطب
بدينه، اعتزازه بالإسلام ، ومعرفة أن عليه واجبات محتمة المعرفة والأداء،
يعرف واجبه بوجوب الإتقان و الإخلاص و التعبّد لله بطلب هذا العلم فإنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، يعلم يقيناً أنه متى ما أخلص النية
لله وقصد وجهه و طلب رضاه وسخر موقعه في الدعوة إليه ؛ تيسرت له الأمور من
حيث لا يحتسب وبورك له في أوقاته وأعماله وعلمه ورفعت درجاته في عليين بل
وطرح له القبول عند أهل الأرض والسماء!!.. ، فهو مأجور مادام يطلب العلم لله
ولم ينسَ الله ساعة ..!!
يجب على طالب الطب أن يخلص في طلب علم الطب، وأن يُتقِن في التعلّم و
التّطبيق ، و يواكب آخر المستجدّات العلمية مهما نال من الدّرجات العلميّة،
فالله سبحانه وتعالى يقول : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ)) (المجادلة:11) ، فالطبيب المتقن المتبحّر في علمه ، واسع الإطّلاع
لا شكّ مقدّم على غيره، متميزٌ أيّما تميّز ، كلمته مسموعة، ورأيه محلّ قبول،
و إبداعه وتفوقه أداة دعوة خيرٍ في المؤتمرات المحليّة والمحافل العالمية.
هاهما المفتاحان .. الإتقان و الإخلاص والنزاهة في طلب العلم .. و الاعتزاز
بالإسلام و الحفاظ عليه والنهل من علومه قدر الاستطاعة للقيام بواجب الدعوة
المحتم على كل من تسمّى باسم الإسلام ..!!
إن الذي يعيش لنفسه دون أن يفكر بمن حوله، دون أن يضع أمامه أهدافاً دعوية
طامحة، دون أن يفرغ نفسه ساعة في الأسبوع لطلب علم شرعي وحفظ وجه من القرآن،
و دون أن يفكّر في مشاريع تخدم الإسلام من خلال هذا العلم الذي أنعم الله
عليه به ؛ قد يعيش مستريحا ، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً ، فأما الكبير
الذي يحمل هذا العبء الكبير ((همّ الدعوة )) فماله والنوم ؟ ، وماله والراحة
؟، ماله والفراش الدافئ؟ ، والعيش الهادئ والمتاع المريح ؟ .ولقد عرف رسولنا
صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وقدره ، فقال لأم المؤمنين خديجة رضي الله
عنها : ((مضى عهد النوم يا خديجة )).. ،و نحن نقول : (( مضى عهد النوم يا
طلبة الطب )).
وحتى لا تكون كلماتنا وطموحنا مجرد فقاعات طائرة .. سرعان ما تنفجر مخلفة في
الفراغ لا شيء ؛ كان لزاماً على الطلاب والطالبات أن يوطّنوا أنفسهم على عدة
أمور وأن يرسموا الأهداف و يخطونّ الطريق للوصول للصورة المثالية للطبيب
المسلم الداعية:
1-
أحوج ما يحتاجه طالب الطب قدوة ناطقة ، صادقة مع الله و مع نفسها ، متقنة
مخلصة في عملها ، تنطق بعطائها أفعالها، و تخطّ أخلاقها وهمّتها العالية درب
طموحه ، فيستيقظ المارد العملاق ويرى هذا النموذج المبهر فيكون الاقتداء هو
الأمل ومن أجله العمل.
2-
الدعوة إلى الله على بصيرة واجب خاصة في حالته و في المجتمع الذي يخالط،
يخالط الكبير والصغير، البرّ والفاجر، المسلم والكافر، ولكل هؤلاء طريقة في
الدعوة و بوابة للإصلاح الذي يبدأ من نفسه أولاً فيكون قدوة في تعاملاته
وأخلاقه ، وكما ذكر أحد الدعاة فهناك عوامل مهمة لبناء شخصية الداعية ومنها:
أولا:
إصلاح النفس وتربيتها على الإيمان والتقوى؛ فإن الداعية يدعو بعمله قبل أن
يدعو بقوله، وهو عرضة لآفات عدة، فما لم يكن متسلحاً بسلاح التقوى فلن يستطيع
أن يقوم بالواجب على الوجه الذي ينبغي.
ثانيا:
لابد من تنقية النفس من الصفات المذمومة، كالعجلة والسفه والطيش والجبن
والبخل والكسل وغيرها من الصفات.
ثالثا:
أن يتعلم العلوم الشرعية التي يحتاجها، والعلم الشرعي درجات ورتب متفاوتة،
وكل يأخذ منه بحسب ما آتاه الله من حرص وقدرة، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في
الدين.
رابعا:
أن يتعلم ويتقن المهارات الاجتماعية التي تعينه على بناء علاقة جيدة مع
الناس، وتجعله شخصية محبوبة.
خامسا:
أن يتعلم المهارات الدعوية، كمهارة الحوار، والإقناع، والتأثير و الاتصال...
وغيرها.
سادسا:
أن يتعلم ويتقن الوسائل الدعوية التي
تعينه على إيصال رسالته الدعوية للناس.
سابعاً:
أن يتعلم المهارات الشخصية التي تعينه على تنظيم حياته ووقته بما يخدم دعوته،
كإدارة الوقت، وإدارة الاجتماعات...ونحو ذلك.
يسرا الجزائريه- عضو فعال
- عدد المساهمات : 68
نقاط : 199
تاريخ التسجيل : 12/09/2011
رد: إلى الطبيب وطالب الطب كيف تخدم الإسلام؟
ومن المصادر التي تعينه على تعلم وإتقان هذه المعارف والمهارات: مصاحبة أهل
العلم والدعاة إلى الله عز وجل، والمشاركة في الأعمال الدعوية والتدرب عليها،
وزيارة المؤسسات الدعوية، والالتقاء بأصحاب التجارب الدعوية والإفادة من
تجاربهم، والقراءة فيما سطره الدعاة إلى الله قديما وحديثا.
ومما ينبغي أن يعلم أن الدعوة مراتب ودرجات، وكل مسلم يستطيع أن يدعو بحسب ما
آتاه الله تعالى، فاحرص على بلوغ المراتب العالية، لكن لايصدك عن الدعوة
استصعاب الطريق واستطالته، فابذل جهدك وطاقتك، وفي الوقت نفسك احرص على
الارتقاء بمهاراتك وقدراتك.
3-
دعوة زملاء الدراسة .. فما أجملها والله من دعوة .. دعوة المشفق على صاحبه
ورفيقه في الدراسة .. المحب له في الله ..، نعم.. ستكسب الأمة فرداً عاملاً
وطبيباً مسلماً داعية ..ليتعلم طالب الطب فنون الحوار والدعوة .. وليقتدي
بالمربين الفضلاء والدعاة البشوشين ومن سبقه من الأطباء الدعاة أصحاب الأخلاق
الرفيعة والضمائر النزيهة .. فالدعوة إلى الله عز وجل ليست مقصورة على مجتمع
بذاته بل هي في كل زمان ومكان ولا انقطاع عنها بحال من الأحوال وقد كان يوسف
عليه السلام داعية حتى في سجنه..
ومن ما يعين على ذلك:
أ-
عقد الاجتماعات الطلابية وجعلها منبراً للدعوة إلى الله عز وجل وتوجيه
الدعوات إلى الطلاب للمشاركة في أنشطتها خاصة في العطل الصيفية.
ب-
تكوين لقاءات مع الطلبة والاهتمام بالجدد منهم وتقديم المسابقات والبرامج
المتنوعة التي تكون جاذبة للطلاب ووسيلة لدعوتهم.
ج-
التنسيق مع أعضاء هيئة التدريس والأطباء المهتمين بالدعوة وإيجاد اللقاءات
بينهم وبين الطلاب والاستفادة منهم في تسهيل كثير من المصاعب .
د-
إفادة الطلاب علمياً في دراستهم من أكبر الأمور الجاذبة لهم وهي وسيلة مفيدة
ومجربة.
هـ-
استغلال الجمعيات الطبية المتخصصة وتوجيهها لخدمة الدعوة إلى الله عز وجل .
4-
حفظ القرآن الكريم و التسلّح بالعلم الشرعي قدر الاستطاعة ففيه استصلاح للقلب
و تقوية للذاكرة و إنعاش للنفس و جلاء الأحزان والهموم و استشعار مراقبة الله
والطمع فيما عنده والعمل لرفعة هذا الدين وأهله ، وفي سؤال للشيخ المربي محمد
الدويش (15) هذا نصه :
أنا طالب بكلية الطب وأتمنى أن يمن الله علي وأحفظ كتاب الله وأتعلم العلم
الشرعي فما هي الطريقة المثلى لذلك وما هي الكتب التي تنصحني بقراءتها وما هي
أفضل طريقة لمراجعة كتاب الله بعد حفظه؟
فأجاب حفظه الله :
" الطريقة المثلى هي :
أ -
ابذل الجهد في طلب العلم الشرعي، وأن تعلم أن العلم لا يدرك براحة الجهد ،
فلا بد من المجاهدة والمجالدة في تحصيله ، واقرأ في ذلك ما بذله علماء السلف
من جهد عظيم في طلب العلم ففيه تقوية للعزائم .
ب-
الارتباط ببعض الزملاء الجادين في طلب العلم والتعاون معهم في ذلك .
جـ -
قراءة بعض الكتب التي تكلمت عن أدب ومنهجية طلب العلم ، كحلية طالب العلم ،
وجامع بيان العلم وفضله وجامع المتون وغيرها مما هو معروف في الساحة العلمية
. والطرق التي يتم بها مراجعة القرآن كثيرة ومختلفة ، وكل شخص له ما يناسب
حاله وفقك الله ". ا.هـ.
5-
عقد اللقاءات الطلابية في الإجازة الصيفية تحت مظلة الكليات الطبية وبالتعاون
مع المؤسسات الخيرية الجامعة و تحت رعاية وإشراف أطباء دعاة ، يكون لها برامج
متنوعة و مفيدة تسهم في بناء جيل من الأطباء الدعاة مراقبي الله في أعمالهم و
سكناتهم .. ولتحقيق ذلك و حتى نستفيد من هذا العنصر في خدمة هدفنا .. هناك
عدة منافذ و قنوات يستطيع طالب الطب إلزام نفسه وزملاءه بها كخطوة أولية
مرحلية يثبت من خلالها نفسه على أول الطريق:
أ -
عقد جلسات حوار تناقش فيها أفكار ومقترحات دعوية كالأساليب الدعوية المناسبة
في بيئة المستشفى والكلية .
ب-
تنمية مهارات الطلاب المختلفة في الإلقاء والطباعة وفنون الحوار وإنشاء
المواقع على الشبكة العنكبوتية .
جـ-
عقد اللقاءات مع طلاب العلم لإعطاء دروس في العلوم الشرعية الأساسية .
د-
التسابق بين الطلاب في حفظ القرآن الكريم.
هـ -
تجميع مادة موقع على الشبكة العنكبوتية يضم الفتاوى الطبية و التطبيقات
الطبية في الفقه و البحوث العلمية الطبية في الأخلاقيات الطبية وأخلاقيات
البحث العلمي، و عرض إنجازات اللجان الطبية المتطوعة و بناء قاعدة بيانات
ضخمة لعرض إنجازات الأطباء الدعاة والإفادة من بحوثهم المتفوقة في مجال
تخصصاتهم ليكونوا قدوة للجيل الجديد.. بالإضافة لإمكانية الإفادة من عرض
الأفكار المختلفة والاتصال بطلبة على نفس المستوى من الاهتمام الدعوي على
مستوى العالم الإسلامي ، وقد شرع بعض الطلاب والطالبات بهذه الخطوة بشكل طيب
(16).
و-
دراسة بعض التجارب الدعوية الناجحة القديمة والمعاصرة.
ز-
دراسة بعض المواقف الدعوية من السيرة وتحليلها.
حـ -
زيارة المؤسسات الدعوية وعرض الخدمات والتعاون معهم.
ط-
إعداد مواد دعوية [مشروع. رسالة مناصحة, مسابقة..]
ي -
زيارة بعض الشخصيات الدعوية والحوار معهم حول أمور الدعوة.
ل –
عقد دروس للمصطلحات الدعوية باللغة الإنجليزية.
6-
أن تكون هناك مرجعية شرعية ولجان دعوية مرابطة في المستشفى والكلية تعين
الطلبة والأطباء على ترجمة أفكارهم لواقع .. و تعينهم في الوصول إلى الحكم
الشرعي في مسألة بأسرع وأسهل الطرق فتكون كحلقة الوصل بينهم وبين العلماء.. و
تأخذ على عاتقها التوعية الدينية للمرضى والزوار بل والطلبة والطالبات.
7-
الإفادة من مرحلة التطبيق العملي والتي تبدأ في السنة الثالثة ، حيث يبدأ
الاتصال المباشر بالمرضى و أروقة المستشفيات الجامعية، بالأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ونشر الفضيلة والخير، من عناية بطهارة وصلاة المرضى، وحجاب
المريضات والزائرات والزميلات بالحكمة والموعظة الحسنة، و عناية خاصة بنشر
المطويات والشريط الإسلامي واللوحات الإرشادية التوعوية بعد موافقة اللجان
المختصّة ، فسنين الدراسة مرحلة ذهبية للإفادة من كل خير.
8-
الحرص على أن لا يشغلكم شيء عن تلبية
النداء والصلاة جماعة و تذكير من تقابلون بالصلاة.
طالبات الطب
ينطبق عليهنّ ما ذُكِر أعلاه وزيادة.. فهنّ على ثغرٍ عظيم و مطالبات أكثر من
غيرهنّ بالحفاظ على حيائهنّ وحشمتهنّ ، وهنّ مطالبات بتصحيح وضع الطبيبة
المسلمة وأن يكنّ طبيبات داعيات بأخلاقهنّ وتعاملاتهنّ.. ، وكم من طالبة طب
بخلقها وحيائها و علمها و ذكائها سحرت الألباب ، فكانت داعية مسدّدة تنشر
الخير أينما حلّت و أينما ذهبت في المجامع الدعوية النسائية ، و هذه بعض
التوجيهات:
1-
الحفاظ على الحجاب الشرعي الكامل والتمسّك به في مختلف الظروف، فهو بحدّ ذاته
دعوة ، فلتستشعر الطالبة أنها في حالة عبادة ما دامت ترتديه ، بل و بعض
الطالبات تذكر أن حجابها الشرعي الكامل كان ومازال أداة دعوية صامتة للمريضات
والزميلات.
2-
التمسّك بخلق الحياء المحمود وعدم تعريض النّفس لما يخدشه بل ينبغي لطالبة
الطب أن تبتعد عن كل جارح وناقص للإيمان، فتتجنّب الاختلاط في أروقة المستشفى
والأجنحة بدون غرض تعليمي، وأن تغضّ بصرها وتحافظ على الأدب و عدم الخضوع
بالقول في خطابها أستاذها.
3-
الصبر والاحتساب واستشعار عظَم الأجر والمسئولية فيما تواجهه من صعاب أو
تلاقيه من مواقف.
4-
الرّفع للمسؤولين في كل أمرٍ منكر تتعرّض له ، وتكون قويّة في الحق، لا تقدّم
التنازلات في دينها مهما كان، فهي تتعبّد لله بطلبها هذا العلم ، وغيرتها في
الحق و امتناعها عن كل منكر دين تدين الله به ، وأمر محمود .
5- أن
تُعنَى عناية خاصة في إتقان ما يتعلّق بطبّ النساء ، ليس طب النساء والولادة
فحسب، بل كل ما يصيب النّساء من أمراض وكيفية التعامل معها، فهي لم تدخل هذا
المجال إلا للقيام بفرض كفاية وسدّ حاجة النساء الشرعية للطبيبات المسلمات.
6-
العناية عناية خاصة في دعوة الزميلات ،خاصة في مسألة الحجاب الشرعي و مخاطبة
الرجال والتعامل معهم، ودعوة المريضات ونصحهنّ عن رؤية بعض المخالفات الشرعية
منهنّ، بل وتوعية العاملات في المستشفى بشأن الحجاب ودعوتهنّ إلى الدين
الصحيح في أماكن وأوقات تجمعهنّ، وقت الغداء مثلاً.
7-
الحرص على الاتصال بالداعيات والإفادة منهنّ دعوياً في عقد دروس في مصلى
النساء والطالبات في المستشفى، و دعوة الزميلات إليها.
8-
مصاحبة الخيّرات من داخل وخارج الحقل الطبّي ، والاستفادة من خبرات من
سبقنهنّ من الطبيبات الملتزمات واستشارتهنّ في كل ما يعرض لهنّ .
حديث قلب إلى طالبة طب
تستصعبين الطريق..؟!! لن يريد الأمر أكثر من حماسٍ للخير.. !
ونفسٍ معطاءة تحمل همّ الدين والدعوة إليه..! و جنّان متّقد بحبّ العقيدة
ونشر الفضيلة..! تهتمّ بمعالي الأمور! و تترفّع عن رذائلها! نفس تتوق للسموّ
..! للعلياء..! تعانق بعطائها السماء..! لن يحتاج الأمر أكثر من نفسٍ ترين في
عينيها سحر المُستقبل المشرق للطبّ الإسلامي..! وتلتمسين من كلماتها عُمق
الحماس والاعتزاز بالإسلام والغيرة على شعائر الدّين..!من ملامحها يختطّ
الطموح سبيله..! و بصدقها وإخلاصها تفعل المستحيــــــل..!اهتمّي ببناء
ذاتك..! و املئيها بالإيمان والرضا..! زوّديها بالعلم والحكمة..! فإذا
تكلّمتِ أسمعتِ..! وإذا أعطيتِ وجدتِ..!حينها سينعكسُ غنى نفسكِ..! وجمال
ذاتكِ..! وسعة أفقكِ..! ورغبتكِ الصادقة في الإصلاح ..! على من حولك..! في
مجتمعكِ..! وستجدين آثارها يوماً بعد يوم..! فتسعدين بها وتسعد بكِ..!
وتتمتمين حينها لك الحمد ربنا حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمدُ بعد
الرضى..! تأمّلي هذا الهدف.. الطبيبة الداعيـــــة..! اغرسيه في ذهنك.. !
وازرعيه في قلبك..! امتثليه في حياتك..! و قوّمي من أجله نهجك..! و لتصدّقه
كلماتكِ ومظهركِ..! وستُفلِحِين بإذن الله..! وما أعذَبَ العُقبَى وإنْ نلنا
في الدّرب ما نلنا من معوّقات وعقبات! أخيّتي المباركة..! لا يؤخّر سيركِ في
هذا الدرب كثرةُ الهلكى..! انظري لمن نجى .. كيف نجى..! تأملي أسباب النجاة
واعتصمي بها..! وتذكري أن لا نجاة لنا إلا بـ ( إن هذا الدين يهدي للتي هي
أقوم).. و ( عضّوا عليها بالنواجذ)..!تأمّلي (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ
يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) نعم أخية.. كيف
ينجح في الامتحان من لم يدخله أصلاً؟!!!أسأل الله لي ولكِ الثبات حتى
الممات.. كم تنشرح النفس وتسعد وتطمئن برؤية أمثالكِ وسط هذا الغثاء! أحيي
فيكِ هذه الحماسة، وأسأل الله أن نلتقي على دروب العزّة حاملاتٍ للواء
ومدافعاتٍ عن حقّ أمّـتنا في طبٍّ إسلامي لا امتهانَ فيه للعورات، ولا
استهتار فيه بالمحرّمات! طبّ إسلامي يكون فتحاً في العالمين بإذن الله ..!
زملاؤك الأطبـــاء.. كيف تدعوهـــــم..؟(17)
نفوس الأطباء من أيسر النفوس لتقبل الدعوة ، كما هو مشاهد فـي كلـيـات الطب
من كثرة الصالحين عند مقارنتها على سبيل المثال بكليات أخرى مثل الآداب أو
الاقـتصاد أو غيرها ، فالطب وعلومه يدعو إلى التأمل في خلق الإنسان: مـرضـه
وصـحـته، حياته موته.. كما أنهم - أي الأطباء - أعلم الـنـاس بـقـدرة الله
علـى تـحـريـك أي خـلـيـة تسبب مرضاً سرطانياً، أو انقباضاً شريانياً يودي
بحياة الإنسان، أو فيروساً يضع المريض في موقف القائل :
وحسب المنايا أن يكن أمانياً *** كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً
و دعوتهم مـن أوجـب الواجبات لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( الدين
النصيحة)) ، وهم أولى الناس بها لأنهم زملاء العمل ورفاق الـمـهـنـة ،
يـعـيـش الإنسان بينهم أكثر مما يعيش مع أهله أو أقاربه ، ومن الغريب أن تجد
بعض الصالحـيـن مـن الأطـبـاء شــعـلـة من النشاط مع عامة الناس خارج
المستشفى وفي ذات الوقت ليس عندهم ما يقدمونه داخـل المستشفى، فـتـظـهـر
الازدواجية بكل معانيها وما يترتب عليها من سلبيات.كـمـا أن فـي دعـوة هؤلاء
الزملاء إقامة للحجة ، كما قال الله عز وجل : (( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ
مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ
عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَّقُونَ)) (الأعراف:164) .ولا شـك أن فـي الـتـعـاون على البر والتقوى مع
هؤلاء الزملاء خيراً كبيراً في نشر المعروف وإزالة المنكرات التي تعج بها
المستشفيات.
ومن وسائل دعوتهم:
1-
أن يخصص الطبيب المسلم لهؤلاء وقتاً يجلس لهم فيه، يـراعـي فـيه أن يكون
مناسـباً للجميع، ولا يتعارض مع وقت العمل ، حتى لا يكون هناك تضييع لحق
المرضى، وكلمة فيها من الجدية الشيء الكثير.
2-
السعي في حاجاتهم الدنيوية : من مساعدة في العمل ، وبالذات ما يتعلق
بالمناوبات وحل للمشاكل ، وعطف ومشاركة فـي الهموم .
3-
القدوة الحسنة في أمور الدنيا والدين.
4-
الزيارة المنزلية لما فيها من التحبب ورفع الكلفة.
5-
الهدايا الحسية مثل : الأشرطة والكتيبات بل قد تكون كتباً طبية أو حتى قلماً
الخ..
6-
الهدايا المعنوية : من ذكرهم بالخير ، والإشادة بالمبرزين في حقول اختصاصهم
بالحق.
7-
الاحترام ، الابتعاد عن التفاهات ، الترفع عن التكالب على أمور المعاش ،
الابتعاد عن تصيد الأخطاء.. هذه وغيرها أمور ينبغي أن يتحلى بها الداعية عند
دعوته لزملائه.
لماذا يجب أن نتفاءل بنجاح الدعوة في
المستشفيات..؟
الدعوة في المستشفيات يمكن أن تنجح أكثر من أي مكان آخر، فعلى العاملين في
المجال الطبي التفاؤل بنجاح دعوتهم – بإذن الله – وذلك للأمور التالية(18)
:
1-
أن الشريحة التي تدخل المستشفيات ليست بالعموم هي التي تحضر المحاضرات
والدروس أو صلاة الجماعة.
2-
أن المريض يكون في حالة ضعف ، و له أذنٌ صاغية لكل ما يمليه عليه الطبيب.
3-
تعلّق المرضى بالأطباء فهم يرون فيهم المنقِذ.
4-
كثرة الأطباء فلا يوجد في المملكة أكثر من 200 داعية مسجّلين في وزارة الشئون
الإسلامية في حين أنه يوجد عدد لا محدود من الأطباء فلو أصبحوا أطباءً دعاة
لرأينا النتيجة.
5-
أن هناك من النّاس من يعيش في الحضر أو البادية، منهم من يستوحش الحضور
للمساجد، ويجلبه المرض للمستشفى.
6-
أن المستشفيات غير مهيأة للدعوة وإنما للتطبيب فيحسُن بالمطبب أن يكون داعية
يقوم بواجبه تجاه دينه.
7-
إطلاع الطبيب على أسرار المريض ، وأمور من فسادٍ ومعاصٍ لا يصرّح بها المريض
غالباً إلا للأطباء.
8-
أن سهم الدعوة الذي يتهرّب منه المريض فيبتعد عن المساجد ومواطن الدعوة ؛ قد
يصيبه من طبيب ماهر وداعية موفّق.
9-
كثرة الأطباء الذين تظهر عليهم سيما الخير والصلاح والمظهر الصامت بحد ذاته
دعوة، فكيف إذا تكلم فأحسن ووعظ فأدّب وقال فأجاد..؟!، فالقدوة الصالحة أعظم
وسيلة صامتة ومتحدثة، قائمة وقاعدة، ساكنة ومتحرّكة.
مرضـــــاك .. كيف تدعوهم..؟
•
احتسب الأجر عند الله وحده عند علاجهم لقول الله تعالى : (( وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً )) (المائدة:32) ، وقوله
-صلى الله عليه وسلم- : "من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه
كربة من كرب يوم القيامة". وإن أصابك من وراء علاجهم شهرة أو كسب مادّي فهو
فضل من الله ، لا تغترّ به .
•
الصبر عليهم عند علاجهم ، وبالذات على كبار السن توقيراً لهم ، وعلى الأطفال
رحمة بهم ، وعلى الملهوفين في الحالات الطارئة ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-
: "في كل ذات كبد رطبة أجر" (19) .
•
ادع لهم ، و اطلب الدعاء منهم : وبالذات من الضعفاء منهم الذين لا يملكون إلا
الدعاء ، وقد يكون فيهم من لو أقسم على الله لأبره (20).
•
انصحهم، وبالذات في قضايا العقيدة من رقى وتمائم وأحجبة وغيرها ، والمريض
يكون عادة في حالة من الضعف يتقبل فيها ما يشير عليه الطبيب ، ثم حضهم على
الصلاة والحجاب وغير ذلك ، ويجب ترتيب الأولويات في الدعوة ، فمثلاً قد يبدأ
الطبيب بِحَثِّ المريض على عدم التدخين على الرغم من مقارفة المريض لشركيات
وكبائر ينبغي البدء بها أولاً (21).
•
تفقد أحوال المرضى مع الطهارة وأداء الصلاة.
•
تذكيرهم بالله ، وذلك عن طريق رد النتائج إلى الله عز وجل ، وأن الطبيب ما هو
إلا أحد الأسباب التي تجري عليها أقدار الله (22).
•
السؤال عن أحوالهم في البيت وعن أولادهم أو آبائهم ، والتلطف معهم مما يؤدي
إلى تكوين علاقة شخصية ودية ليس فيها طابع الرسمية ، بشرط البعد عن المبالغة
في رفع الكلفة ، الأمر الذي قد يؤدي إلى الابتذال المذموم
(23).
•
إعداد بعض الأشرطة أو الكتيبات وإهدائها إلى هؤلاء المرضى. فيمكن للطبيب أن
يحمل مطويات تتعلق بالمرض ، ويمكنه أن يدلّ المريض إلى كتب تناسبه في حال
مرضه ، لأن المريض عنده وقت فراغ كبير(24).
•
احترام المريض والمحافظة على حقوقه , ومن ذلك : الاهتمام بفهم المريض لمرضه
وخطة علاجه مع تقدير رأي مريضه وإشعاره بالاهتمام به , وشرح النواحي الطبية
بأسلوب مفهوم ومبسط حتى لا يكون هناك مجال للقلق أو سوء الفهم لبعض الفحوصات
المطلوبة أو طريقة العلاج مع أخذ إذن المريض قبل الإجراءات الطبية , ومراعاة
الضوابط الشرعية في الكشف على المرأة عند الضرورة , وعدم كشف العورة للرجل أو
المرأة إلا عند الضرورة , وكذلك حفظ وقت المريض وتقدير ظروفه والتزاماته
الأسرية وعمله ودراسته , والاهتمام بحفظ سر المريض وفق الضوابط الشرعية , مع
الاهتمام بالدعاء والرقية الشرعية للمريض , فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول : " اللهم رب
الناس أذهب البأس , اشف أنت الشافي لا لشفاء إلا شفاؤك , شفاء لا يغادر سقماً
" [متفق عليه]. وعن أبي عبد الله عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا
إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسمه , فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم : "ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل : بسم الله – ثلاثاً –
وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر "[رواه مسلم]
(25) .
•
تذكيرهم بقراءة القرآن والرقية الشرعية و الأذكار.
•
إذا قدر أن أحد المرضى حضر أجله فيجب أن تلقنه شهادة أن لا إله إلا الله، فقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ))، ولكن
التلقين يكون برفق، فلا تقول له يا فلان قل لا إله إلا الله لأن أجلك قد حضر،
ولكن يمكن أن تذكر الله عنده ، فإذا ذكرت الله عنده تذكر. و إن كان كافراً
تقول له قل لا إله إلا الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبي طالب
حين حضرته الوفاة: (( يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ))
، وقال للغلام اليهودي في المدينة وقد عاده النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضر
أجل الغلام فعرض عليه الإسلام فالتفت الغلام إلى أبيه كأنه يستأذنه فقال له
أطع أبا القاسم)، فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الحمد لله الذي
أنقذه من النار))(26)
•
احتسب الأجر في زيارة المريض ،فقد كان الصحابة يذكر بعضهم بعضاً بهذا. جاء في
حديث ثوير عن أبيه أخذ علي بيدي فقال انطلق بنا إلى الحسن بن علي نعوده
فوجدنا عنده أبا موسى الأشعري، فقال علي لأبي موسى عائداً جئت أو زائراً؟،
فقال علي: إن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( ما من مسلم يعود
مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي ولا يعوده مساء إلا صلى
عليه سبعون ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة )) (27).
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(مَنْ عَادَ مَرِيضًا مَشَى فِي خِرَافِ
الْجَنَّةِ فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَنْقَعَ فِي الرَّحْمَةِ فَإِذَا
خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وُكِّلَ بِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ
لَهُ ذَلِكَ الْيَوْم)) رواه مسلم.
•
تذكّر في كل زيارة للمريض في سريره قوله صلى الله عليه وسلم : ((ما من عبد
مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش
العظيم أن يشفيك إلا عوفي)) ، وما أجمل أن تُوضَع في لوحة صغيرة وتعمّم على
جميع غُرَف المرضى.
•
يمكنك تشغيل بعض الأشرطة النافعة في العيادة ليسمعها من ينتظر دوره في الكشف،
على أن تُراعي أن يكون المتحدّث ذا أسلوب حَسَن سلس ، مع التنويع في مادة
الأشرطة ومراعاة أحوال المرضى؛ فلا ترفع الصوت عالياً ، و تعمل على إيقاف
التشغيل إذا كان الصوت يضايقهم. و يمكنك أن تضع بعض الكتيبات صغيرة الحجم،
مركّزة ، ومنوّعة ، عن الصلاة.. التوبة.. حب الله.. فضل الذكر.. ، وبعض
المطويّات والمجلات النافعة. كما يمكنك أن تضع لوحة في حجرة الاستقبال يُوضَع
عليها كل يوم آية أو حديث يحضّ على سلوك معيّن (28).
•
احرص على تطييب خاطر المرضى بالكلمات الطيبة كـ (( لا بأس طهور إن شاء الله
))، وتذكيرهم بفائدة المرض وأنّه كفّارة وطهور لهم.
دعوة أقارب المريض:
وينطبق عليهم ما ذكر آنفاً ، إضافة إلى وجوب حرص الطبيب على الجلوس معهم
ومقابلتهم لشرح حالة المريض لهم ، وبالتالي التأثير عليهم من خلال مناصحتهم
(29).
كيف تدعو العاملين في المستشفى..؟
والمقصود غير الأطباء من ممرضين وفنيين وإداريين وسائقين وغيرهم ، وهناك أمور
منها(30) :
•
مراعاة التركيز على كل الطبقات ، فلا ينبغي استصغار أحد لجنسه أو وظيفته أو
غير ذلك.
•
الاهتمام برؤساء الأقسام ممن فيهم سيما الصلاح ، لأنهم أهل الحل والربط ، وقد
ينفع الله بهم من خلال تعميم لا يكلف بضع دقائق مما يوفر الجهد والوقت.
•
الاهتمام بغير المسلمين بدعوتهم وتقديم الكتب والأشرطة إليهم ، ومعاملتهم
معاملة تقربهم إلى الإسلام ، ولا تنفرهم منه بضوابطها الشرعية ، وقد أثمرت
هذه الجهود في كثير من المستشفيات ، ورأينا أن الكثير من هؤلاء العاملين قد
دخلوا في الدين الله أفواجاً ، ويكفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((
لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) (*).
•
الحذر عند التعامل مع النساء ، من المبالغة في التحادث بحجة الدعوة أو حتى
العمل الطبي ، مما قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من معاصٍ وفتن أو سوء فهم.
يسرا الجزائريه- عضو فعال
- عدد المساهمات : 68
نقاط : 199
تاريخ التسجيل : 12/09/2011
رد: إلى الطبيب وطالب الطب كيف تخدم الإسلام؟
دعوة الإدارة
وهم كما قال -صلى الله عليه وسلم- : (( إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع
بالقرآن)) وبيدهم - بعد الله - الإصلاح أو التسبب في الفساد العريض ، لذا كان
من الواجب الاهتمام بدعوتهم من خلال الكتابة لهم ونصحهم مع استخدام أسلوب
مناسب مع المترددين منهم ، وينبغي أن يشارك في هذا الأمر كل غيور على دينه
حريص على دنياه وآخرته ، مع استخدام أسلوب التخويف بالله والترغيب فيما عنده
، أما الصالحون من الإداريين فينبغي التحبب إليهم ومساعدتهم والوقوف بجانبهم
ودعمهم معنوياً (31). والحرص على شكرهم وتشجيعهم عند
إصدارهم أي قرارات إيجابية .
دعـــوة بلا حـــدود
أطباء بلا حدود التي تجوب الأرض، من أقصاها إلى أقصاها، تنشر مبادئها
وأوبئتها ، ليست بأحسن حال من الطبيب المسلم الداعية الموحّد الذي يملك
جناناً متقداً وحماسة للعمل الدعوي لا حدود لها ، فينبغي له أن يتجاوز حدود
مشفاه ومدينته ودولته في عمله الطبي الدعوي بشكل لا يطغى على واجباته الطبية
والأسرية.
ويمكن للطبيب أن يجعل يوماً في الأسبوع أو الأسبوعين للمبرّات الخيرية ،
عبارة عن عمل إنساني في عيادة مصغّرة، فلعل الله أن ينفع بها خاصّة وأن أكثر
الأمراض والمعاصي الفتّاكة من مخدرات و غيرها تكون في الفقراء، فتكون زكاة
علمٍ لعلّ الله أن ينفع به(32) . ويمكنه كذلك أن يخصص
أسبوعين في السّنة للدعوة والطب في الأقطار المحتاجة للإغاثة والعلاج
والدّعوة.
كم هو جديرٌ أن ينهض عددٌ من الأطباء للتخطيط لمشروع المستشفى الطبي الطائر
ضمن مؤسسة خيرية رسمية، وأن يعدّوا دراسة متكاملة عنه، ثم يكوّنوا له هيئة
استشارية ومجلس إدارة ، وعدداً من الدعاة ، وفريقاً طبياً في مختلف التخصصات،
ثم يعد ترتيب محدد لزيارة البلدان الفقيرة وغير الفقيرة في أصقاع الدنيا ، مع
الاستفادة من خبرة رابطة العالم الإسلامي ومكاتبها و المؤسسات الإسلامية
الخيرية الأخرى، ويتم من خلال هذا المشروع تقديم الخدمات الطبية والدعوية،
ليتحقق من خلال ذلك دعوة غير المسلمين، وإن كانوا مسلمين أغنوهم عن منّة
النصارى وابتزازهم ، وجنّبوهم التشكيك في الدّين والصدّ عنه(33).
فن تغييـــر المنـــكر
عندما يرى الطبيب المسلم منكراً من المنكرات في المستشفى أو في محيط عمله أو
في طريقه فإنه يتذكر واجباً شرعياً وركناً أساسياً وهو الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، فيسعى في إنكار المنكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع
فبقلبه بشرط أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة والتزام الرفق واللين
والبعد عن الغلظة ورفع الأصوات وإثارة الآخرين ، وألا يترتب على ذلك مفسدة ،
فالمسلم مأمور بالتوجيه والإرشاد وليس عليه تحقيق النتائج فإن التوفيق
والهداية بيد الله عز وجل(34).
وهذا الجانب يحتاج إلى فقه الداعية في أساليب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر ، وألا تترك هذه إلى اجتهادات شخصية بل يجب أن يكون ذلك وفق أدب
وأخلاق المسلم المتفقه في دينه الذي يدعو إلى الله على بصيرة، ولعل مما يساعد
على ذلك ما أنشأته وزارة الصحة حديثاً من مكاتب دينية في المستشفيات للقيام
ببعض هذه المهمات وفق أسس وأنظمة المستشفى حتى لا يترتب على ذلك مفاسد(35)
.
ويجب الحذر من السكوت عن المنكرات ، فإن ذلك قد يؤدي إلى استمرائها ، ومـــن
ثــم الانحراف والنكوص على الأعقاب والله المستعان.
الطبيبــة التي نـريد
نريدها طبيبةً داعية، والطبيبة الداعية ينطبق عليها ماذكرنا ، فهي أولاً
امرأة مسلمة، والدّعوة إلى الله والعمل الإسلامي لا يقتصر على قطاع الرجال
فقط بل لابد من النساء القيام بهذا الواجب في مختلف مواقعهن، المرأة في ذلك
مثل الرجل تماماً، بل قد يكون دور المرأة في الدعوة إلى الله أخطر لأن المرأة
هي المدرسة الأولى للأجيال، فإذا صلحت صلُح المجتمع.
ومما يؤكد لنا أهمية وضرورة ممارسة المرأة للدعوة وجود نصوص من الكتاب
والسُنَّة تفيد اشتراك المرأة مع الرجل في خطاب التكليف كقوله تعالى:
((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ))(آل عمران:104) . كذلك وجود نص صريح خاص بتكليف النساء
بالدعوة كقول الله تعالى في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم :
((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ
وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً))(الأحزاب:34) .
وقد تكون الطبيبة أعظم مسئولية من غيرها من النّساء لأنها الأكثر علماً ولأن
البعض قد يقتدي بها ولمخالطتها المجتمع بأكمله على اختلاف طبقاته ، والرسول
صلى الله عليه وسلم يقول: (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من
تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام
من تبعه)). وبالمقابل فإن تحقيق هذا الواجب في حق الطبيبة سهل ولله الحمد
فالناس يتقبلون من الطبيب مالا يتقبلون من غيره ، والطبيب يأتي إليه الناس
دون أن يكلّف نفسه عناء الذهاب إليهم.
الطبيبة الداعية تعلم أن الدعوة إلى الله سبيل الأنبياء و باب للأجر تستطيع
أن تبني به جبال من الحسنات ولأن يهدي بها الله امرأة واحدة خير لها من حمر
النعم.
الطبيبة الداعية تعلم أن الدنيا معبر لدار المستقر و تعلم أنها محاسبة على كل
صغيرة وكبيرة.
الطبيبة داعية بأخلاقها وتعاملها، داعية بحجابها و حشمتها،داعية بحيائها
وامتثالها للأوامر الإلهية مهما كلفها ذلك، داعية بلسانها ومالها، داعية
بسنّها السنن الحسنة و الصلابة في الحق و عدم تقديم التنازلات وأن لا تخاف في
الله لومة لائم، داعية بتغييرها المنكر .
الطبيبة داعية بنشرها الخير وأمرها بالمعروف بين زميلاتها، الطبيبة داعية
بتواضعها و تسامحها و نصح مريضاتها، الطبيبة داعية بتفقيههن بأحكام الطهارة
والصلاة وتذكيرهن بتجديد التوبة واللجوء إلى الله والتوكل عليه.
الطبيبة الداعية تعلم أن النصرانية ما انتشرت إلا على كفوف الأطباء فتسعى
حثيثة لأن تقدم الدعوة للدين الحق والعلاج بل وتحرص على دعوة من يخالطنها في
مجال العمل من غير المسلمات.
الطبيبة الداعية مشعل هداية في مواجهة العقبات و آفات الطريق، بدأت بنفسها
فربتها، وأصلحت شأنها، سلاحها التقوى، شكرت نعمة الله أن هداها و رزقها
الثبات في زمنٍ يموج بالفتن والشهوات والشبهات.
الطبيبة الداعية تقوم بالعمل لهذا الدين ، علماً وتعليماً ودعوة وأمراً
بالمعروف و نهياً عن المنكر، وتبذل في ذلك الغالي والنّفيس.
الطبيبة الداعية تصبر نفسها مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجه
الله، الطبيبة الداعية تحتسب ما قد تلاقيه من صنوف الأذى فهي داعية قبل أن
تكون طبيبة، بل داعية وهي على مقاعد الدراسة في كلية الطب.
الطبيبة الداعية أدركت أهمية العلم الشرعي فسعت حثيثة في طلبه فهي تعلم أنها
متى ما أخلصت النية فالله تعالى يبارك في أوقاتها وعملها .
الطبيبة الداعية تعلم أنها مطالبة بإتقان عملها و تحتسب هذا العمل فتقلب
عملها ودراستها إلى عبادة تثاب عليها.
الطبيبة الداعية تعلم أن الطب أرض خصبة للدعوة ، لإنارة المشاعل ، لهداية
الحائرين ، الطب طب للأرواح قبل الأبدان .. طب للنفوس والأفئدة التائهة ..
علاج للقلوب المضطربة .. إنارة لدروب الحيارى بآي القرآن..!!.
الطبيبة الداعية داعية بحفاظها على التوازن و إعطاء كل ذي حق حقه في حياتها
العلمية والعملية و حقوقها الأسرية تجاه زوجها وأولادها وأهلها.
الطبيبة الداعية أمل الأمة فلتعد كل طالبة طب نفسها لتكون هي ولتنشط كل طبيبة
لتدارك ما فاتها.
هل فكّرت في عملِ بر وخيرٍ وأجرٍ غير منقطع في بيئة عملكِ أو دراستك..؟
هذا شتاتٌ متفرّق من أفكار دعوية مناسبة لبيئة المستشفيات، نحسب إن سُخّر لها
عاملاً مخلصاً متفانياً أن تؤتي أُكلها وثمارها اليانعة بإذن الله، ولا يلزم
أن يقوم بها الأطباء بأنفسهم لضيق وقتهم وانشغالهم وإنما يوجّهون من يقدرون
على تطبيقها:
•
توزيع الأشرطة و المطويات النافعة وتعليق المجلات الحائطية ، ومتابعتها
بالمواضيع والأطروحات الدعوية النافعة والمتجددة ومراعاة انتقائها ومناسبتها
حسب البيئة والزمان .
•
عمل مكتبة إسلامية مصغرة مقروءة وسمعية ومرئية بالغتين العربية والإنجليزية ،
لتنمية الثقافة الإسلامية وتعليم الإسلام الصحيح ودعوة غير المسلمين .
•
إيجاد مكتبة صوتية إسلامية تجارية على هيئة كشك أو محل في صالة الاستقبال
ونحو ذلك ، تُأجر على إحدى التسجيلات الإسلامية ، ويباع فيها الشريط الإسلامي
، و الكتيب الإسلامي ، والمجلات الإسلامية فقط . وفي هذه الفكرة خير عظيم إن
شاء الله تعالى .
•
إلقاء الكلمات الوعظية في المساجد والمصليات التابعة للمستشفى ، والدروس
العلمية ، المحاضرات والندوات.
•
إقامة الندوات العلمية الطبية التي تبين إعجاز الله في خلق الإنسان .
•
تبصير الناس بالأمراض الناتجة عن معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
•
التنسيق مع مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات في إعداد المحاضرات الإسلامية
باللغتين في قاعة المحاضرات بالمستشفى ، كما يمكن تخصيص بعض المحاضرات للنساء
وباللغتين.
•
إعداد قناة صوتية موزعة إلى غرف المرضى مرتبطة بإذاعة القرآن الكريم ، تسمع
عن طريق سماعات الرأس لتفادي التشويش على الآخرين ، مع إمكانية توزيع الجدول
الشهري لبرامج إذاعة القرآن الكريم في أماكن مختلفة في المستشفى بصفة دورية ،
كما يمكن عن طريق القناة الصوتية عرض بعض الأشرطة الصوتية في فضل الصبر على
المرض والابتلاء وأحكام المرضى وزيارتهم وما يعينهم في أمور دينهم ودنياهم .
•
إعداد مسابقة إسلامية خاصة بالموظفين لزيادة الوعي الشرعي ، ومسابقة خاصة
بغير المسلمين تتلخص في الإجابة على أسئلة عن الإسلام في أوراق معدة مع كتيب
ومطوية عن الإسلام ويمكن أن يضاف إليها شريط بلغتهم ، ويتم وضع جوائز تشجيعية
للمتسابقين ، والهدف هو إطلاعهم على نقاط حساسة عن الدين الحق والغاية من
الحياة ودعوتهم بصورة غير مباشرة .
•
توزيع المجلات الإسلامية التربوية الهادفة التي تراعي مستوى العامة والمثقفين
وأفراد الأسرة ، حيث يمكن الحصول على كميات كبيرة من الأعداد السابقة بأسعار
دعوية زهيدة جداً لنشر الفائدة ، ومن ثم توزيعها في أماكن الانتظار في
المستشفى وفي غرف المرضى .
•
وضع لوحة خاصة لطرق الاستفادة الإسلامية من شبكة الإنترنت لتثقيف الموظفين في
هذا الجانب ، ولإرشاد غير المسلمين لمواقع تعليم الإسلام الصحيح بلغاتهم .
•
إعداد هدية الولادة وهي عبارة عن هدية شبيهة بالتي تقدم من قبل بعض الشركات
في بعض المستشفيات وما تحمله من أدوات للمولود والمولود له ، ولكن تُرفَق
بشريط و كتيب عن تربية الأبناء وحقوقهم ، مع تهنئة رقيقة كـ (( بورك لك في
الموهوب وشكرتَ الواهب وبلغ أشده ورزقت برّه )).
•
وضع رقم خاص للخدمات الشرعية في المستشفى يتصل عليه المرضى أو الموظفون في
حال رغبتهم في الاستفسار عن شيء من أمور دينهم ، حيث يتم توجيههم مباشرة، أو
الاستفسار لهم وربطهم بالعلماء الموثوقين.
•
تعليق الجدول الشهري لأوقات الصلاة في أماكن متفرّقة في المستشفى يستفيد منه
من فاته سماع الأذان لنوم أو انشغال، والتأكد من وجود ما يشير إلى جهة القبلة
الصحيحة في غرف المرضى.
•
تعليق لوحات تحتوي على تعليمات مختصرة في صلاة المريض وطهارته.
•
إقامة دورات شرعية للأطباء والممرضين في الفقهين ، الأكبر العقيدة ، والأصغر
الأحكام.
•
تقديم الهدايا النافعة للمرضى بعد شفائهم وبها كتيبات ومطويات دعوية.
نحو عملٍ طبّي برؤية إسلاميّـــة
(**)
1-
الدعوة إلى الله واجب الجميع وتتأكد في المجال الطبي.
2-
الحرص على عدم التهاون في تطبيق الشريعة الإسلامية.
3-
عقد لجنة لإعداد منهج شرعي إلزامي لطلبة الطب و بعدد مقرر من الساعات في
الضوابط الشرعية لمهنة الطب.
4-
السعي إلى تخصيص كليات طب للنساء والولادة و تحت إشراف أساتذة الطب الموثوق
من أمانتهم والتزامهم.
5-
السعي لبناء مراكز صحية غير مختلطة وعمل دراسات ومخططات لذلك و جعل شروط لفتح
المراكز الصحية تحقق الفصل.
6-
التقليل من الاستقدام وتوظيف غير المسلمين.
7-
التعاقد في تخصص النساء والولادة مع النساء.
8-
الاعتناء بالجاليات المسلمة في المستشفيات وإقامة الندوات والمؤتمرات الشرعية
لهم.
9-
دعم مكاتب التوعية الدينية للمستشفيات ، وإمدادهم بالكوادر الطبية الشرعية
والتأكيد على أن من واجباتها المرور على المرضى بصفة يومية وتعليمهم شئون
دينهم من طهارة وصلاة وغيره وحضور كل حالات الاحتضار.
10-
توثيق الأعمال الدعوية فنحن نعاني من الفردية في الأعمال الدعوية، فلابد من
التوثيق والنشر بين الأطباء.
11-
تفعيل القرارات والتعاميم الصادرة والاستفادة منها ( بخصوص الحجاب الشرعي –
منع التدخين – منع الخلوة – منع الاختلاط – صلاة الجماعة .....) ، و ترجمتها
بلغات العاملين في المستشفى.
12-
مشاورة الأخيار من الأطباء ، فاتباع الكِبر والغرور قد يؤدي إلى بعض
الاجتهادات الخاطئة التي قد تفسد ما بناه الآخرون ، والله عز وجل أمر نبيه
-صلى الله عليه وسلم- بالشورى فقال : ((وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ)) (آل عمران:159) .
أملٌ وعمــــــل
إن ما يُرى ويسمع في هذه الأزمنة يشرح الصدور ويبهج النفوس ،أعني بذلك إقبال
كثير من شباب المسلمين على دراسة الطب علماً وعملاً فاستغلظ ذلك النبات
واستوى على سوقه ، فرأينا شباباً ورجالاً صالحين تبوَّؤا المناصب وزاحموا
أعداء الأُمة وأثبتوا أنهم محل الثقة وكانوا أحق بها وأهلها . فتعلموا
وعلِموا فعملوا وعلّموا فنفعهم الله ونفع بهم ، فجمعوا لمرضاهم بين طب القلوب
وطب الأبدان ، فكان الدواء ناجعاً والأثر نافعاً . فهنيئاً لنا بهم ولتسعد بل
ولتفخر تلك الصحوة بهم ، فهم على ثغر عظيم وجبهة واسعة ولزاماً علينا أن
نشاركهم في آمالهم وآلامهم . أعانهم الله وسدّد خطاهم وبارك في جهودهم .
وليعلموا أن مكانتهم مرموقة منزلتهم عالية ، بل إن بعض الفتاوى الشرعية تُبنى
على ضوء ما يقررونه ويقولونه(36).
هذا غيض من فيض، لكن؛ ليتذكر كل طبيب أن الله قد خلقه لعبادته ، وأن الحياة
ليست عبثاً ولا معطفاً أبيض وسماعة فحـسـب ؛ بل هي جهاد واحتساب حتى يأتي
الله بأمره ، وأن الأمة تنتظر منه أن يحـمـــل هم الدين عنها - في مجاله على
الأقل - في عصر اجتمعت فيه أمم الكفر على ضرب الإســـــلام عن قوس واحدة ،
ولا ينسى أنه قد قطع من العهود والمواثيق بينه وبين الله أثناء دراســتـه على
مقاعد الكلية أن يقوم بأداء مهمته خير قيام حال تخرجه ، قال تعالى:
((ومِنْـهُـــم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ
لَنَصَّدَّقَنَّ ولَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّــن
فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وتَوَلَّوْا وهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ
نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ
مَا وعَدُوهُ وبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)) [التوبة75-77] نعوذ بالله من سخطه
وأليم عقابه(37).
الطب والدّعوة.. قرينان
لنعترف بتقصيرنا ولنجدّد النيّة..، لنترك التعامل مع المرضى على أنهم حالات
ولها أرقام فقط، بل كإخوانٍ لنا في الدّين، لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
لنمثّل الإسلام في صورنا، في كلماتنا و حركاتنا و سكناتنا ولباسنا، و
معاملاتنا ، بحسن الخلق وإصلاح النفس. لنكن دعوة تمشي على الأرض.
ما نحن إلا زرّاع .. نضع البذور ونلقي بها هنا وهناك.. نستبشر خيراً بالنماء
و ظهور الثمار.. وفي ذات الوقت لا يصيبنا الغم والانتكاسة والتردد في حال
فشلنا، فهناك بذور كامنة قد تعطي الغراس ولو بعد حين ، وهناك زروع فيها خير ،
قد تعطي الثمار ولو بعد ألف من السنين.
الزموا الصبر..، فالصبر خلق النبيين.. و أداة الدعاة والمصلحين.. ،
((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ )) ( الأحقاف:35).
فالصبر أصل عظيم .. وأحسب أن من وصل هذه المنزلة ؛ منزلة الصابرين قد قطع
أغلب المهمة ((وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ))(لأنفال:46) ..
ولتعلّموا هذه الفضيلة مرضاكم.
رغم ما قد تلاقونه من إعراض و نفور ؛ إياكم والضعف والخور و السقوط في براثن
الانهزامية، قد تكون أداة الإنقاذ شريط أو كتاب أو كلمة.. ، المهم إياكم
والتخاذل والتردد ((فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ))(آل
عمران:146) .
تعلموا كيف تمتلكون القلوب والأفئدة، كيف تكونون محبوبين ، كيف تخالطون الناس
على مختلف توجهاتهم وأفكارهم، كيف تحاورونهم، كيف تحادثونهم، كيف تقنعونهم،
كل ذلك باللين والبشاشة والابتسامة والكلمة الطيبة والعطاء غير المحدود.
عليكم بالدعوة على بصيرة، فاطلبوا العلم ولتكن دعوتكم على علم ويقين وبرهان و
أدلة شرعية وعقلية ، و كونوا سبباً في إحياء سنة وإماتة بدعة و تأملوا سيرته
صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى أن يخبر الجن والإنس أن هذه هي
سبيله في الدعوة : ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ))(يوسف:108) .
عليكم بالصحبة الصالحة الناصحة تستشيرونها وتصبركم على ما تلاقونه وتشاركون
بعضكم في الأفكار والنقاش ، وليكن لكم شيخكم أو داعية تثقون فيه و تستشيرونه
فيما يشكل عليكم.
لا تنسوا الدعاء..، ما أحوجكم أن تقفوا بين يدي الله داعين طالبي الرحمة
والمغفرة والهداية، لليل سهام لا تخطيء ، فلا تهملوا هذا الأصل فهو سلاح عظيم
أهمله البعض نسياناً.
لا تحقروا من المعروف شيئاً..! ، و لا تستعجلوا الثمرة ، و تأكدوا أن الثمرة
تحصل وإن كان القبول جزئياً.
اعلموا أنكم لست أوصياءً على الناس، ولستم محاسبين على تقصيرهم ، اعملوا
جهدكم، ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ))(النحل:125) ، ((فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ
ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ
بِوَكِيلٍ))(الزمر:41) .
بيدكم المفتــــاح
أعلم أنني أثقلت عليكم بهذه الكلمات ، ربما سمعتموها وقرأتموها في مكان غير
هذا المكان ، ولكن هي المفتاح.. ، نعم.. انظروا كيف أنه بالمفتاح الصغير نفتح
أعظم وأكبر الأبواب ..!!
كونوا أنتم المحرِّكين لا المحرَّكين.. كونوا المفاتيح.. ليكن كل واحدٍ منكم
طبيباً داعية.. لا يثنيه عن عزمه نفور البعض وانتقادهم واستهزاءهم..، استعلوا
واستشعروا العزة و ثبتوا أنفسكم على الطريق و سيروا على بركة الله و اصبروا
صبراً جميلاً ، فالعاقبة للمتقين!.
قد يكون الطريق مليء بالشوك.. بالرماح .. بالمعوقات والعقبات.. ، وقد تكون
البداية صعبة .. مؤلمة.. محرقة.. ولكن تأكدوا أن النهاية ستكون بإذن الله
مشرقة!.
اخدموا الإسلام بآرائكم.. بأقلامكم.. بأوقاتكم.. بأموالكم .. بجهودكم..
بعلمكم.. بعملكم..
ليكن لسان حالكم إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه
توكلت، وإليه أنيب.
اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي و لكم والله يعلم ما تصنعون.
أختكم في الله
ندى بنت عبد العزيز محمد اليوسفي
(1) الأطباء والدعوة الإسلامية ، د. حسن علي الزهراني ،
مجلة البيان العدد58 جمادي الآخرة 1413هـ.
(2) مكانة علم الطب ، عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله
السدحان، كتاب المسائل الطبيبة للدكتور علي بن سليمان الرميخان.
(3) هل المنصّرون أولى؟، الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع،
الرسالة، صدرت عن أطباء الحرمين بمناسبة المؤتمر الثالث – رجب 1423هـ.
(4) المصــــــــدر الســــــــابق.
(5) المرأة المسلمة في المجال الطبي آمال و ضوابط، الشيخ
الدكتور عبد الله وكيل الشيخ، محاضرة ضمن فعاليات دورة الإعداد الدعوي
للعاملين في المجال الطبي التي نظمتها لجنة أطباء الحرمين بمؤسسة الحرمين
الخيرية .
(6) مكانة علم الطب ، عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله
السدحان، كتاب المسائل الطبيبة للدكتور علي بن سليمان الرميخان.
(7) سعادة الدكتور مأمون قرملي، وكيل كلية الطب لشئون
الدراسات العليا والتعليم الطبي المستمر بجامعة الملك سعود، الرسالة، صدرت عن
أطباء الحرمين بمناسبة المؤتمر الثالث – رجب 1423هـ.
( دور الطبيب المسلم في نشر تعاليم الإسلام ، د. حمدي
مسعود ، فرنسا [ بتصرّف].
(9) المصدر السابق.
(10) المصدر السابق.
(11) الشيخ محمد بن صالح المنجّد – حفظه الله - .
(12) الدعوة إلى الله في السلوك اليومي ، د. يوسف بن عبد
الله التركي.
(13) الشيخ محمد بن صالح المنجّد – حفظه الله - .
(14) ذكريات الطنطاوي ، الشيخ علي الطنطاوي – رحمه الله
- .
(15) فن الدعوة إلى الله في المستشفيات ، الشيخ عبد
الملك القاسم، ضمن محاضرات مؤتمر أطباء الحرمين الدعوي الثالث (الطب والدعوة
قرينان)، 1423هـ.
(15) موقع الشيخ محمد الدويش.
www.dweesh.com .
(16) من المواقع الجديدة والفريدة والتي ساهم في إنشائها
طلبة الطب، موقع الطبيب الداعية
www.saaid.net/tabeeb وموقع أطباء الحرمين
http://dr.alharamain.org .
(17) الأطباء والدعوة الإسلامية ، د. حسن علي الزهراني ،
مجلة البيان العدد58 جمادي الآخرة 1413هـ.
(18) فن الدعوة إلى الله في المستشفيات ، الشيخ عبد
الملك القاسم، ضمن محاضرات مؤتمر أطباء الحرمين الدعوي الثالث (الطب والدعوة
قرينان)، 1423 هـ [ بتصرّف يسيـــر].
(19) الأطباء والدعوة الإسلامية ، د. حسن علي الزهراني ،
مجلة البيان العدد58 جمادي الآخرة 1413هـ.
(20) المصدر السابق.
(21) المصدر السابق.
(22) المصدر السابق.
(23) المصدر السابق.
(24) رسائل من القلب إلى العاملين بمهنة الطب، الشيخ عمر
بن سعود العيد، محاضرة في كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي.
(25) الطبيب المسلم تميزٌ وسمات ، د/ يوسف بن عبدالله
التركي، استشاري طب الأسرة كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي.
(26) إرشادات للطبيب المسلم ، آخر محاضرة لفضيلة الشيخ
محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – ، أقيمت بالمستشفى التخصصي بالرياض
بتاريخ 14/6/1421هـ.
(27) حلية الطبيب المسلم، الشيخ محمد بن صالح المنجد،
محاضرة ضمن فعاليات دورة الإعداد الدعوي للعاملين في المجال الطبي التي
نظمتها لجنة أطباء الحرمين بمؤسسة الحرمين الخيرية.
(28) الرسالة، إصدار من أطباء الحرمين بمناسبة المؤتمر
الثالث، رجب 1423هـ.
(29) الأطباء والدعوة الإسلامية ، د. حسن علي الزهراني ،
مجلة البيان العدد58 جمادي الآخرة 1413هـ.
(30) المصدر السابق.
(*) الحرص على التعاون مع مكاتب توعية الجاليات في هذا
المجال، ومكتب توعية الجاليات بالصناعية القديمة في الرياض له تجربة رائدة
وناجحة بكل المقاييس في دعوة غير المسلمين من العاملين في المستشفيات، وتطبّق
الآن في بعض الدول الخليجية.
(31) الأطباء والدعوة الإسلامية ، د. حسن علي الزهراني ،
مجلة البيان العدد58 جمادي الآخرة 1413هـ.
(32) رسائل من القلب إلى العاملين بمهنة الطب، الشيخ عمر
بن سعود العيد، محاضرة في كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي.
(33) هل المنصّرون أولى؟، الشيخ خالد بن عبد الرحمن
الشايع، الرسالة، صدرت عن أطباء الحرمين بمناسبة المؤتمر الثالث – رجب
1423هـ.
(34) الدعوة إلى الله في السلوك اليومي ، د. يوسف بن عبد
الله التركي.
(35) المصدر السابق.
(**) جانب من هذه التوصيات ذَكِرَت ضمن توصيات مؤتمر
أطباء الحرمين الثالث، الطب والدعوة قرينان، رجب- 1423هـ.
(36) مكانة علم الطب ، عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله
السدحان، كتاب المسائل الطبيبة للدكتور علي بن سليمان الرميخان.
(37) الأطباء والدعوة الإسلامية ، د. حسن علي الزهراني ،
مجلة البيان العدد58 جمادي الآخرة 1413هـ
|
إلى الطبيب وطالب الطب كيف تخدم الإسلام؟ |
يسرا الجزائريه- عضو فعال
- عدد المساهمات : 68
نقاط : 199
تاريخ التسجيل : 12/09/2011
مواضيع مماثلة
» أسرار يجب أن لاتخفيها المرأة عن الطبيب النسائي
» منصور: مليونية 18 نوفمبر تخدم أعداء الثورة
» اتحاد طلاب كلية الاقتصاد: نرفض لائحة تخدم الإخوان
» ثلاثة طلاب يمزقون أوراق الفيزياء فى الفيوم وطالب يأكل اسمه
» ضوابط عمل المرأة في الإسلام
» منصور: مليونية 18 نوفمبر تخدم أعداء الثورة
» اتحاد طلاب كلية الاقتصاد: نرفض لائحة تخدم الإخوان
» ثلاثة طلاب يمزقون أوراق الفيزياء فى الفيوم وطالب يأكل اسمه
» ضوابط عمل المرأة في الإسلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى