محفوظ الطويل يكتب:المعلم والتعليم والسير فى الاتجاه الخاطئ

محفوظ الطويل يكتب:المعلم والتعليم والسير فى الاتجاه الخاطئ


الأحد، 11 نوفمبر 2012 - 00:38






التعليم







يتصور الكثيرون أن جمع المال بكل السبل هو الطريق الأمثل للوصول
إلى الراحة عندما يتقدم بهم العمر، وقد يكون مع الكثيرين منهم بعض الحق فى
ذلك لأنهم لا ينظرون إلى الواقع المؤلم الذى نعيشه بل ينظرون إلى المستقبل
البعيد الذى ربما لا يعيشونه ولا يصلون إليه.

تعالوا بنا نشخص الأسباب التى أوصلتنا إلى ذلك..
معروف جيدا أن أى نهضة أو تقدم فى أى أمة لا بد أن تبدأ بالتربية والتعليم،
وهناك الكثير والكثير من الأمثلة وفى مقدمتها اليابان وماليزيا والدول
الأوربية والولايات المتحدة وكندا وغيرها.

فى كل تلك الدول يعتبر المعلم والمعلمة هما الركيزة الأولى وأصحاب المهنة
والوضع الاجتماعى الأرفع، حيث يتم إعطاؤهم أعلى الرواتب ويتم تكريمهم بأعلى
الأوسمة مما يجعلهم يواصلون جهودهم الدائمة فى تطوير أنفسهم وتحصيل العلم
ونقله بشتى الوسائل إلى الأجيال المتوالية إيمانا منهم بدورهم فى رقى ونهضة
بلادهم.
أما نحن:
والله إنى أصبحت أخجل أن أدعى أننى معلم
بعد التدريس لأكثر من 20 سنة فى مراحل التعليم المختلفة اكتشفت أننى كنت فى
عالم مثالى لا يمت إلى الواقع بصلة رغم علمى وشعورى بذلك منذ زمن بعيد،
فقررت أن أبتعد ولا أواصل المشاركة فى هذه المهزلة
معادلة يصعب على أى عبقرى أن يحلها:
يبحث المدرس المصرى وغيره عن فرصة عمل فى دولة خليجية لتحسين وضعه فيتاجر
به أصحاب المدارس الأهلية، حيث يشترى التأشيرة بما لا يقل عن عشرة آلاف
ريال، ويقبل أن يعمل بعقد غير آدمى بمبلغ لم يصل إلى ثلاثة آلاف ريال بعد،
ويأتى إلى دول الخليج ويتفاجأ بمستوى معيشى مرتفع، فلا يستطيع أن يسكن
ويأكل ويشرب ويدفع متطلبات تجديد الإقامة والتأشيرات وغيرها والكهرباء
والهاتف والإنترنت و..و..و.. ومطلوب منه أن يسدد ثمن التأشيرة الذى اقترضه
من أصحابه، ويجد نفسه فى متاهة مضطرا إلى السعى وراء دروس خصوصية بهدف
تلبية المتطلبات الأساسية له هو نفسه ثم لأسرته التى فارقها على أمل أن
يحسن أوضاعهم، ويدور فى حلقة مفرغة وينتهى العام الدراسى كل سنة ويلزمه
زيارة أهله فيضيع ما جمع ويتسلف من هذا ومن ذاك حتى يعود مرة أخرى إلى عمله
فى تلك الدولة الخليجية.

كيف لهذا المعلم أن يطور نفسه بتعليم أو بدورات أو بأدوات تقنية حديثة وكيف يمكن أن يكون مبدعا ليخرج أجيالا تنهض بهذه الأمة؟؟
يذكرنى هذا بصندوق "النكد الدولى" الذى يتحكم فيه الصهاينة، حيث يعطون
القروض بفوائد لا يقدر أى عبقرى على الوفاء بها ويظل يدور فى فلك الدين حتى
يعلن إفلاسه ويؤخذ منه كل ما كان يمتلكه قبل الاقتراض.
المشكلة تكمن فى أناس يتصورون أنهم أذكى من غيرهم وهم من يدعون أنهم
يساهمون فى نهضة البلد بالتعليم وهم فى الواقع يدمرون المستقبل ليس فقط
لبلدهم بل لكل المنطقة التى يعيشون فيها والمناطق المجاورة لهم. ثم
يتفاخرون بأنهم استطاعوا أن يبنوا أنفسهم بالملايين من دم الكادحين، قيل
(keep them in darkness) اتركهم فى الظلام.. والمقصود أن يبقى هؤلاء البشر
فى جهلهم حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.. ولكن.

لا يدرك الآباء مدى المستوى المتدنى لأبنائهم وبناتهم من ناحية التعليم إلا
متأخرا جدا بعد إتمام شهادة الثانوية العامة ويضطر الكثيرون منهم إلى
تسفير أبنائهم وبناتهم إلى الخارج ليتعلموا (اللغة الإنجليزية) أو يلتحقوا
بجامعات غربية، ويعانى أولئك أشد المعاناة لرفع مستواهم أولا فى اللغة ثم
فى المجال الذى يتخصصون فيه وفشلت نسبة كبيرة منهم وعادت بخفى حنين.

فهل نعيد التفكير فى طريقتنا وأسلوبنا فى التعامل مع المعلمين والمعلمات،
أم تسيرون فى طريق آخر وهو استقدام مدرسين من جنسيات غربية ظنا منكم أنهم
أفضل منا ويهمهم مصلحتنا ومصلحة أبنائنا أكثر منا؟؟ وبعد انقضاء عقد أو
عقدين تكتشفون أنكم كنتم تسيرون فى الاتجاه الخاطئ؟!.