الحضارة العربية ( 7 ) الأدب العربي

الحضارة العربية ( 7 ) الأدب العربي








لكي نتحدث عن الأدب العربي يجب أولا أن نبدأ بالحديث عن اللغة العربية
نفسها. ففي أثناء وجود عمالقة الأدب العظام في إمبراطورية الإسلام وتمثيلهم
لخلفيات ثقافية وعرقية متفرقة، تبني الأجانب أيضا الذين كانوا يعيشون مع
العرب، اللغة العربية - لغة القرآن- وأصبحت هي وسيلتهم الوحيدة للتعبير عن
أنفسهم. تعد اللغة العربية هي أفضل اللغات التي تمتاز بالدقة والوضوح،
والفصاحة كما عرفها العرب علي مدي عهود طويلة وكما شهد لها أيضا القرآن،
وبعض الأعمال الأدبية العظيمة. وبما أن القرآن هو الأساس والمقياس للعرب،
فقد تكون عدد هائل من الأعمال الأدبية الذاخرة باللغة العربية علي مدي
أربعة عشر ألف عام.
يعد الشعر الملحمي هو من أوائل أشكال الأدب العربي الذي انتشر بين قبائل
الجاهلية قبل الإسلام، حيث نشأت القصيدة، وهي الشكل الثابت للنظم الشعري.
القصيدة هي أبيات شعرية طويلة تسرد أحداث حدثت في حياة الشاعر أو في
قبيلته، تكون القصيدة أحيانا درامية، وأحيانا تتميز بلمحة ملحمية. كان
الشعر في عصور ما قبل الإسلام ينقل، ويحفظ شفويا، ذلك حتى أواخر القرن
السابع بعد الميلاد إلي أن بدأ الطلاب العرب في جمع وتسجيل الأبيات
الشعرية، والقطع النثرية القصيرة التي كانت راسخة في أذهان الحفظة
المحترفين.
بدأ أسلوب حياة العرب يختلف في العصر الأموي (661 - 750 بعد الميلاد)
فبدءوا ينتقلون من حياة البدو الرحالة إلي حياة أكثر استقرارا، ومدنية.
كانت الأبيات الشعرية آنذاك تتلى بمصاحبة موسيقي يعزفها النساء، كما كانت
العادة في ذلك الوقت عند الإغريق، والفرس. استبدلت القوافي الثقيلة المعقدة
المعهود استخدامها في الشعر العربي بالموسيقى الشعرية الخفيفة لكي تتماشى
مع العزف الموسيقي المصاحب لها، فأصبح الشعر والموسيقى لا يفترقان وذلك
ساعد علي ظهور شعر الغزل، وأفضل الأمثلة علي شعر الغزل - كتاب الأغاني.
ازدهر الأدب العربي في العصر العباسي في بغداد في نصف القرن الثامن. بلغ
العصر الذهبي للثقافة والتجارة الإسلامية أبهى عصوره في عهد هارون الرشيد
وابنه الخليفة المأمون. بدأ النثر يأخذ وضعه الصحيح بجانب الشعر، ولم يخرج
الأدب الماجن آنذاك عن حدود التعاليم الدينية. لم يسهم الكتاب العباسيين
فقط في ازدهار عهدهم ولكن أيضا تركوا أثرهم علي النهضة الأوروبية.
كان أبو عثمان عمر بن بحر الجاحظ (776 -869) هو علامة النثر في ذلك الوقت،
كان الجاحظ ابنا لعبد من العبيد في بغداد، تلقى الجاحظ دراسته العربية في
البصرة، والعراق وأصبح واحدا من أبرز المفكرين، ومن أهم مؤلفاته كتاب
الحيوان الذي يتضمن مقتطفات من نوادر الحيوانات موضحا مزيجا فضوليا من
الحقيقة والخيال، ويعد كتابه أيضا "البخلاء" هو بمثابة دراسة فطنة في
النفسية الإنسانية، وكان تلك الكتاب من أحسن الكتب التي استكشفت وأوضحت
طباع الشخصية العربية، في ذلك الوقت.
استحوذت أبحاث الجاحظ وكتاباته علي جزءا هائلا من الأدب العربي. ومع النصف
الثاني من القرن العاشر، ظهر شكل جديد من الأدب يسمى بالمقامات، تسرد تلك
المقامات نوادر عابر سبيل يتكسب عيشه بذكائه وفطنته. قدم تلك المقامات
البادي آل زمان الحمدانية (1008 d.)، ولكن وجد اثنين وخمسون فقط من أربعة
آلاف من مقامته، فالباقي لم يصمدوا عبر الأجيال.
ثم جاء الحريري (1122 d.) ليطور في هذا الشكل الأدبي، حيث استخدم الحريري
نفس شكل المقامة ولكن استبدل الراوي والبطل الذي يتصف بأنه شخص متحايل. قلت
شعبية المقامات فقط عند ظهور اللغة العربية الحديثة.
بالنسبة للكثير من الناس يعتبر أبو الطيب أحمد المتنبي هو أعظم الشعراء
العرب. ولد المتنبي في الكوفة في مدينة العراق في أوائل القرن العاشر،
وتلقى تعليمه في بادية الشام، كانت أفكار شعره تهبر عن فضائل العرب من وفاء
وشرف، وصداقة، وشجاعة، وفروسية.
يعد أبو العلاء المعري (973 - 1057) آخر شعراء العصر العباسي، كان شعر أبي
العلاء يعكس تشاؤم وشكوك العصر الذي عاش فيه ولكن بالرغم من هذه الحقيقة
فإن أبا العلاء المعري تخطى مساوئ عصره ليصبح من أبرز الشعراء في تاريخ
الأدب العربي، هذا بالإضافة إلي كونه من الشعراء المميزين لدى الطلاب
الأجانب.
بدأ التاريخ يشكل جزءا من الأدب العربي مع أواخر القرن التاسع. شجعت ضرورة
جمع المعلومات عن العصر العباسي والمدن القائمة به، على البدء في تأليف
الكتابات الجغرافية، وكتابات عن مغامرات الرحالة، وقصص تروي معجزات
وأعاجيب. في القرن العاشر في سيسلي كان مسندا إلي الإدريسي مهمة جمع كتاب
Roger عن ملك بالرمو النرويجي، مع موجود خرائط. كتب ياقوت (1229 d.) قاموس
جغرافي كبير gleaned مستنبط من عدة مصادر.
عرفت أساسيات الكتابات العربية من خلال المقتطفات التي جمعت عن حياة النبي،
والتي أقرت من جانب نظام الإسناد العربي الذي يورد معلومات دقيقة من جهات
مختلفة ويقر بصحتها. تميزت كتابة التاريخ العربي بالدقة أكثر من اهتمامها
بالنواحي الفنية، وترجمة المواد المتاحة فقط. ولذا يعد التاريخ العربي
بمثابة مصدرا موثوقا به لدى المؤرخين الجدد. خرج من العرب ما يسميه الطلاب
الجدد أبو التأريخ الحديث، وعلم الاجتماعيات، هو ابن خلدون.
كان ابن خلدون تونسي الأصل وكان مسئول رسمي في محاكم جرانادا، والمغرب، وفي
الجزائر، تلك المركز الذي جعله يأخذ منصب رئيس محاكم المماليك في مصر. عاش
ابن خلدون في المغرب قبل استقرار في الشرق الأوسط، وقضى تلك الفترة في
عزلة لمدة سنوات عديدة كتب فيها كتابه الشهير "مقدمة". كان التأريخ قبل
مجيء ابن خلدون عبارة عن مجرد سرد لقواعد، وتقاليد الأمم، والحروب،
والأحداث التاريخية الهامة، ولكن أدرك المفكر الكبير ابن خلدون أن الأحداث
الهامة لم تحدث من فراغ، ولكن نتجت من عوامل مختلفة، مثل المناخ، والعادات
الاجتماعية، وأنواع الطعام الخاصة بكل بلد، وأيضا الاعتقادات الخرافية ..
الخ
يقر طلاب العلم الجدد أن التغير الشامل في التاريخ الحديث يرجع أساسا إلي
ابن خلدون. كتب أرنولد توينبي يقول عن أهم أعمال ابن خلدون " ابتدع، وكون
ابن خلدون فلسفة للتاريخ، وهي تعد بلا شك واحدة من أهم الفلسفات من نوعها،
وأعظم ما ابتدعه عقل من فلسفة" وأيضا قال جورج سارتون عن "مقدمة" ابن خلدون
"لن أتردد في تعريفها كأهم الأعمال التاريخية في العصور الوسطي"

نفحة من الشرق في الأدب الأوروبي
بدأ ظهور تأثير العرب على الأدب الأوروبي في قصائد الشعر الأسبانية، وأيضا
في الحكايات ذات الحوادث الخارقة (fabliaux and contes) التي كانت مشهورة
في العصور الوسطى في فرنسا ،في القرن الثالث عشر.
لم يعبر أي شاعر أوروبي عن إعجاب الغرب بأي مظهر من مظاهر الفنون والآداب
العربية في قالب درامي، وشعري أكثر من الشاعر العظيم وليام شكسبير. فمن ضمن
شخصياته، شخصيتان عربيتان، كان شكسبير يطلق عليهما "Moors" هما شخصية
Othelo وهو بطل المسرحية التي تحمل نفس اسم البطل، وأيضا أمير المغرب، وهو
من أنبل الشخصيات في مسرحية "تاجر البندقية"، تمثل هذه الشخصية، شخصية
السلطان أحمد المنصور، وهي تعبر عن الكرامة الملكية بأنبل الكلمات.
أخذت شخصية أمير المغرب دوراً هامشياً في مسرحية "تاجر البندقية"، في حين
استيلاء شخصية عطيل على دور البطولة، فهي تعتبر الشخصية المحورية بالمسرحية
التي تحمل اسم البطل. كان عطيل رجلاً ذو حس عال، ومشاعر جياشة، وبالرغم من
أن هذا البربري شب في "أرض الصحراء، والصخور والجبال الشاهقة التي تمتد
إلي السحاب" (إشارة إلي جبال أطلس)، إلا أنه يعد نموذجا للإخلاص، والشجاعة،
والأمانة، والنبل. دهش كتاب اليوم الذين يعرفون جيدا صفات الرجل البربري،
من براعة شكسبير في رسم شخصية عطيل.
كانت المغرب ذا صيتاً عالياً في عهد الملكة اليزابيث الأولى، في لندن، فنجد
أن إيرل ليشستر (The Earl of Leicester) الذي كان واحدا من ناصري الشعراء،
هو أحد مؤسسي "شركة بارباري"،وهي مؤسسة تجارية إنجليزية تتعامل مع المغرب.
استطاع شكسبير معرفة الكثير عن المغرب، وأهله من خلال التجار المغاربه
الذين يتعاملون مع شركة بارباري. فإذا تطلعنا إلي أعمال شكسبير سوف نجد أنه
ذكر المغرب أكثر من ستين مرة.
لم يكن شكسبير هو الوحيد الذي وقع تحت أثر سحر الشخصيات البربرية، ولكن قدم
أيضا كرسيتوفر مارلو في روايته تامبرلين "Tamburlaine" "، ملوك المغرب
والعامة" وأيضا كتب Ed. White كتابه "ملخص عن حروب بارباري الدامية" "Brief
Rehearsal of the Bloody Battle of Barbary"، بعد رواية كريستوفر مارلو
بعام، ثم جاءت مسرحية جورج بييل "معركة القصر" Battle of Alcazar ، كتبت
هذه المسرحية في لندن، ثم نشر Ro. C. بعد ذلك كتاب عن تاريخ المغرب بعنوان "
حوار حقيقي عن وفاة مولي هامت" "A True Discourse of Muley Hamet's
Death".
تواجد الأسلوب الشرقي، الذي طالما تداخل مع العناصر العربية، والفارسية،
والهندية، في القرن التاسع عشر حين كتب فيكتور هوجو " كان العالم هلينيا في
عهد لويس السادس عشر، أما الآن فهو يميل إلي الشرقية" كتب ذلك في مقدمة
كتاب Les Orientals. وبالرغم من أن "ألف ليلة وليلة" لم تخلق تلك التيار
الرومانسي ولكنها أعطت ثراء للأدب الأوروبي، وأثرت صوره، ولغته، ونتج عن
ذلك توجيه انتباه الغرب لخلق أعمال ذات طراز جديد، وأدت أيضا إلي ظهور
الاهتمامات الكامنة داخل مفكري العصر.
يعد الأدب العربي ميراث العرب في الغرب، هذا بالإضافة إلي كونه الإعجاز
الفني، والعقلي للعرب، وهو يعتبر أيضا مظهرا من مظاهر التراث العربي،
وبالرغم من أننا لا نعطي أهمية بالغة للتراث العربي إلا أنه يعد مصدرا هاما
للإطلاع على ثقافة العرب، وإسهاماتهم الأدبية.
ذكرت أسماء عربية، وأماكن عربية في كتاب Aucassin et Nicolette الشهير،
وأيضا هناك لمحات عربية في كتاب بوكاكيو "Decameron". استخدم شوسر في كتابه
"Squires tales" أفكاراً جلبت إلي أوروبا بواسطة تجار ذوي جنسية إيطالية،
كانوا يتاجرون في الشرق الأوسط. وهناك أيضا أشهر الأعمال التي ظهرت في
العصور الوسطى وهو كتاب دانتي "Divine Comedy" ، يحتوي هذا الكتاب علي
تفاصيل كثيرة من قصة معراج النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا ذكرت به بعض
تفاصيل ثورة مكة وقائدها العظيم ابن عربي.
أثر كتاب ألف ليلة وليلة في ذاكرة الغرب مثلما لم يفعل أي كتاب آخر، ألف
ليلة وليلة هي عبارة عن مجموعة من القصص المثيرة، الرومانسية، المسلية،
المشوقة. ينتمي هذا الكتاب إلي عدة حضارات منها العربية، والفارسية،
والإغريقية، والهندية.
تم جمع قصص الكتاب في القرن العاشر بواسطة الكتاب العرب الذين أعطوها
الشخصية العربية، والأماكن العربية مثل بغداد، والقاهرة. وحظي الكتاب على
شعبية هائلة في الشرق الأوسط حين كانت تتداول قصصه الماجنة، المشوقة على
لسان رواة القصص المحترفين. أما في أوروبا فكان الكتاب ذا شعبية هائلة. كان
جالند (1704) الفرنسي أول من ترجم كتاب ألف ليلة وليلة، ثم تلته ترجمات
إنجليزية كثيرة. نجحت تلك الترجمات للكتاب نجاحا باهرا ثم تتابعت النسخ
الجديدة المترجمة وأصبح واحدا من أكثر الكتب رواجا في تلك الحقبة.
ترجع شعبية كتاب ألف ليلة وليلة في أوروبا إلى أزمنة بعيدة حين ولع كتاب،
وقراء، وفنانو الغرب بالشرق منذ عهد الصليبين. وجد العامة في قصص ألف ليلة
وليلة عنصر المغامرة والرومانسية، تلك العناصر التي كانت غائبة في جنبات
الأدب الأوروبي. ومن المؤكد أن كتاب ألف ليلة وليلة كان سببا في ظهور
روايات غربية مثل رواية روبنسن كروزو، ومغامرات جاليفر Robinson Crusoe and
Gulliver's Travels. وأيضا ألهم الاستعراب أو الاستشراق، كما كان يطلق
عليه الغرب، بثروة هائلة من الأفكار الجديدة، والواضحة في كتاب Rasselas
لصمؤيل جو، وفي كتابات بيرونByron ، و في كتابات فولتير Voltaire ، وفي
ديوان جوته المشهور Westoestlicher وأيضا في Rukert and Platen -
Hullermund.



==================