مع " لامية العجم " للطغرائي رحمه الله تعالى
منتديات الأجيال التعليمية :: ملتقى المراحل الدراسية :: منتدى أبناؤنا طلاب مصر فى الخارج :: قسم تعليم الدول العربية :: تعليم المملكة العربية السعودية
صفحة 1 من اصل 1
مع " لامية العجم " للطغرائي رحمه الله تعالى
قال صاحبي : لعلك قرأت لا مية الطغرائي .
قلت : وأنا معجب بها ، ففيها حِكم وعظات ، وخبرة واعية في الحياة لخصها صاحبها
رحمه الله خفيفة على البحر الوافر ذي النغمة الموسيقية مقام " البيات " ، وما
أقرؤها إلا هكذا- منغمة- أوقاتَ فراغي أو بين معارفي .
قال : أوَما وجدت فيها بعض الأفكار غير الناضجة ؟
قلت : ألا تذكر قول ابن برد :
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ؟ كفى المرءَ نبلاً أن تُعَدّ معايبُه
قال : ولكنها أخطاء شاعر كبير !..
قلت : تذكر قول الإمام مالك رضي الله عنه وهو في مسجد المصطفى عليه الصلاة
والسلام يقول منبهاً إلى الطبيعة البشرية الناقصة : " ما من رجل إلا أخذ منه
ورُدّ عليه إلا صاحب هذا القبر " وأشار إلى حيث يثوي الحبيب المصطفى عليه أفضل
الصلاة وأتم السلام ,...
وأردفت متسائلاً : ثم قل لي يا صاحِ : أهي أخطاء فادحة ؟ إني لا أرى ما تقوله ،
فهلا أفصحت فما كان يخطر ببالي ما تظنه؟ .
قال : ليست أخطاء بل مآخذ قد أكون المخطئ فيما فهمت ، إنما هي أفكار أود طرحها
في لقائنا فأردت استثارتك ، وهذا أسلوب لقدح العقول وشحذ القرائح .
قلت : لا حاجة إذاً للخوض فيما نتفق ، فهات ما تظنه نقصاً أو أفكاراً غير ناضجة
كما ذكرتَ، علني أوافقك عليه أو أناقشك في ما لم يرق لك .
قال فلنبدأ بالمقدمة :
اعتزل ذكر الأغاني والغزل *** وقل الفصل وجانب من هزلْ
ودع الـذكـر لـأيـام الـصـبــا *** فـلأيــام الصـبـــا نجــم أفــَـلْ
إن أهـنــا عـيشـة قـضـّيتـُهـا *** فـنيـت لـذّاتهـا ، والإثـمُ حــلْ
واترك الغادة ، لا تحفل بهـا *** تُمسِ في عـزّ رفـيع ، وتُجَـلْ
فالطغرائي يدخل علينا بالأمر : اعتزل ودع واترك ولاتحفل .. والأمر
الكثير منفـّر، لا أرتاح له . ويطلب إلينا أن نعتزل النغم والشدو ، وهو سجية من
سجايا الإنسان التي جبل عليها ،، وربما أراد التخفيف منها لا تركها بالكليّة ،
إلا أنه – برأيي لم يوفق في ذلك .. كما أنه يأمر بنسيان الماضي – أيام الصبا
والجمال – ومن منا يرضى أن ينسى أحلى أيام حياته – الشباب - ؟ وعلام ينساه ،
والشباب جنة الحياة ونسغها النضير المتفجر بالحيوية والقوة ؟! وهل الحياة إلا
ذكرى وحاضر ومستقبل ؟ ولا يقوم الأخيران إلا على الماضي .. ولئن أفل الماضي إنه
ليعيش فينا ، ونتنسمه مسكاً وريحانا .
ومن قال إن الإثم ملازم أحلى أيام قضيناها ؟! وهل بالضرورة أن يكون السعد بما
يغضب الله تعالى ؟! إنها لأفكار شيطانية لا يقول بها إلا من انغمس شبابـَه
بالأخطاء ، فلما كبر وعقل ذهبت النشوة وجاءت الحسرة ، وقد كان حياتنا في صبانا
طيبة النشر عبقة الرائحة ، ولم يكن فيها إثم بفضل الله ورعايته ، إنما كانت في
مرضاة الله وطاعته ، ولئن ذهبت لذات الشباب إن للكهولة والشيخوخة وكل مراحل
الحياة لذاتٍ خاصة بها ، تناسبها ويسعد الإنسان بها . ولو ذهبت اللذات كما
يدّعي الطغرائي لانقلبت حياة الناس جحيماً . ولطلبوا الموت
وعلى هذا تراه يطلب التحول عن الغادة وعدم الاهتمام بها ، وكأن اللذات عنده
مادية فقط ! ولمَ لا تكون الزوجة – مثلاً – غادة الرجل ؟ ولماذا ينصرف الرجل عن
المرأة الصغيرة أو الكبيرة مادام يرى في نفسه الرجولة ؟ أليس في سيرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم منارات وقدوة في كل مناحي الحياة
؟! .
وتعال معي إلى أبياته التالية تخجل من التصوير الذي رسمه للغلام الأمرد في غير
موضعه ، وسمّه إن شئت تكلفاً ولزوماً من الشاعر لا يلزم :
والـْـهُ عـن آلـة لـهــو أطـربـتْ *** وعن الأمـرد مـرتجّ
الكفـلْ
إن تبَدّى تنكسف شمسُ الضحى *** وإذا ما ماس يُزري بالأسلْ
زاد إن قـسـنــاه بالـبـدر ســنــا *** أو عدلنـاه بغصن فـاعتـدل
فهو يسمح لنفسه أن ينظر إلى ارتجاج كفل الفتى فيصوره ، وإلى صباحة
وجهه الأمرد ، وجعل جماله يفوق الضوء الشمس ، وميلانه في مشيته ممشوقاً يزري
بليونة الرماح النضرة ، وهو أجمل من القمر.. و .. صور مبتذلة تثير التقزز ،
وتقدح بالمعنى الذي يتلوه مباشرة :
وافتكـر في منتهى حسـن الذي أنت تهـواه تجد أمراً جـلـلْ
قد انتقل من الأسود إلى الأبيض مباشرة ، فأحرق الصورة الثانية بما أثار من
شهوات في الصورة الأولى .
لم أكن أخالف صاحبي كثيراً فيما قاله ، فنحن من مدرسة نقدية واحدة ، وكثيراً ما
سمع مني وسمعت منه ، فكنا متقاربين في النظرات ، نتغاضى عن ثانويات ما نختلف
فيه .
قلت هات ، فأنا مصغ إليك .
قال : ويقول الطغرائي في الدنيا :
اطـرح الـدنـيـا فمن عـاداتهـا *** تخفض العالي وتعطي من سفلْ
كم جهـول بات فـيهـا مكـثـراً *** وعــليـم بـات مـنهــا فـي عـلـلْ
فـاتـرك الحيـلـة فيهــا واتـئـد *** إنمـا الحـيـلـة في تـرك الحـيــلْ
فالشاعر الطغرائي يرى الدنيا على حقيقتها ، ويعلم أن الرزق مقسوم
، وليس للذكاء و" الفهلوية " دور في الحصول على الرزق ، والله تعالى يقول " وفي
السماء رزقكم ، وما توعدون " ويؤمن بقوله تعالى " إن الله يرزق من يشاء بغير
حساب " فيطلب الشاعر أن ندع الاهتمام بتحصيل المال ونبتعد عن التحايل له .
قلت : ثم ماذا؟
قال : يقول الشاعر بعدها :
اكتـم الأمريـن فـقـراً وغنى *** واكسب الفلس وحاسب من بطلْ
فنصح بالعمل والبحث عن المال !
قلت لم يتعدّ أن فعل ما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم .
قال كيف ؟
قلت : ألم يأمر الشاب الذي طلب مساعدة - ورآه جلداً- أن يحتطب ، وقال صلى الله
عليه وسلم " لأَن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل ، فيأتي بحزمة من حطب على
ظهره ، فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطَوه أو منعوه
"
ثم اقرأ ما قاله متألماً من عصره ومن أيامنا هذه - لو كان حياً – إذ رأى الناس
يعظمون صاحب المال ويقدمونه على الفقير :
غيـر أني في زمان من يكن *** فيـه ذا مـال هـو المولى الأجـلّ
واجب عنـد الـورى إكرامُـه *** وقـلـيــل المـال فـيهـم يُســتـقــَلّ
ثم يعلن ما ينبغي أن يكون بحق : أن صاحب الفضل لا يعيبه قلة المال
أبداً :
لا يضر الفضـلَ إقلال كمـا *** لا يضر الشمس إطبـاق الطفـلْ
قال صاحبي : لم أكن أقصد التعالم أو النيل من الشاعر رحمه الله ،
فحسبه كرامة أن أجرى الله تعالى قصيدته هذه بين الناس ، فعرفها القاصي والداني
على مر القرون ، وأفادوا منها ، إلا أنني أتساءل ليس غير وأريد الوصول إلى الحق
.
قلت هات غيرها يا صاح ،
فقال : ينهى الشاعر الناس أن يفخروا بجدودهم وأصولهم ، ويحضهم على الاعتماد على
أنفسهم كي لا يكونوا خاملين فيقول :
لا تقل : أصلي وفصلي أبداً *** إنما أصل الفتى ما قد حصل
قد يسود المرء من غير أب *** وبحسن السبك قد ينفى الدغل
قـيـمـة الإنـسـان ما يحـسنـه *** أكثـرَ الإنـسانُ مـنـه أو أقــَلّ
ثم تراه بعد ذلك يفخر أنه من نسل الصديق رضي الله عنه فيقول :
غـيـر أني أحمد الـلـه عـلى *** نسـبي ، إذ بأبي بكـر اتصلْ
قلت لا ضير أن يعتمد الرجل على نفسه ، ثم يحمد الله تعالى أنه
ينتسب إلى رجل عظيم كالصديق رضي الله عنه ، فيكون قد جمع بين الحسنيين ، العمل
الصالح والنسب الأصيل .
ثم رأيت صاحبي ينظر إليّ بعين العتب ، فقلت : مالك ؟
قال : شكوتُ من بعض الأفكار ابتداء وظننت ُ أنها غير ناضجة ليس إلا .
قلت : أبقي شيء ؟
قال : نعم ، واحدة .. ترى الشاعر ينصح ، ونصائحه رائعة ، إلا أنه يفخر بنفسه
ويعتد بها مع تحد واضح ، وهذا من الناصح المعلم ممجوج ، كقوله :
أنـا مثـل المـاء سـهـل سـائغ *** ومتـى أســخـَنَ آذى وقـتــلْ
أنا كالخيـزور صعب كسـرُه *** وهْـو لـَدنٌ كيفما شئت انفتل
قلت : لا تنس يا صاح أن من نصائحه التي أعجبتنا أن يحني الإنسان
رأسه للإعصار القوي المدمر ليسلم منه ، ينحني لا عن ذل وضعف إنما عن حكمة وتبصر
حين قال :
جانب السلطان واحذر بطشه *** لا تعـانـد مَن إذا قـال فعـلْ
ومن ذلك مداراة السفيه وعدم مصادمته والصبر عليه ، أو الانتقال
عنه دون مشاكل :
دار جار السوء بالصبر وإن *** لم تجد صبراً فما أحلى النقلْ
فلربما ظن قارئ القصيدة ومن سمعها ضعف الشاعر وخوره ، فهو ينفي
عنه ذلك ، ويؤكده قولُ المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه " ليس الشديد بالصّرَعة
، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب . " ألم يصبر الرسول صلى الله عليه
وسلم وهو بطل الأبطال على أذيَة قومه ، وإساءاتهم ؟ فلا بد من الصبر على الحياة
والناس بقوة وحكمة وشجاعة ...
قلت : وأنا معجب بها ، ففيها حِكم وعظات ، وخبرة واعية في الحياة لخصها صاحبها
رحمه الله خفيفة على البحر الوافر ذي النغمة الموسيقية مقام " البيات " ، وما
أقرؤها إلا هكذا- منغمة- أوقاتَ فراغي أو بين معارفي .
قال : أوَما وجدت فيها بعض الأفكار غير الناضجة ؟
قلت : ألا تذكر قول ابن برد :
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ؟ كفى المرءَ نبلاً أن تُعَدّ معايبُه
قال : ولكنها أخطاء شاعر كبير !..
قلت : تذكر قول الإمام مالك رضي الله عنه وهو في مسجد المصطفى عليه الصلاة
والسلام يقول منبهاً إلى الطبيعة البشرية الناقصة : " ما من رجل إلا أخذ منه
ورُدّ عليه إلا صاحب هذا القبر " وأشار إلى حيث يثوي الحبيب المصطفى عليه أفضل
الصلاة وأتم السلام ,...
وأردفت متسائلاً : ثم قل لي يا صاحِ : أهي أخطاء فادحة ؟ إني لا أرى ما تقوله ،
فهلا أفصحت فما كان يخطر ببالي ما تظنه؟ .
قال : ليست أخطاء بل مآخذ قد أكون المخطئ فيما فهمت ، إنما هي أفكار أود طرحها
في لقائنا فأردت استثارتك ، وهذا أسلوب لقدح العقول وشحذ القرائح .
قلت : لا حاجة إذاً للخوض فيما نتفق ، فهات ما تظنه نقصاً أو أفكاراً غير ناضجة
كما ذكرتَ، علني أوافقك عليه أو أناقشك في ما لم يرق لك .
قال فلنبدأ بالمقدمة :
اعتزل ذكر الأغاني والغزل *** وقل الفصل وجانب من هزلْ
ودع الـذكـر لـأيـام الـصـبــا *** فـلأيــام الصـبـــا نجــم أفــَـلْ
إن أهـنــا عـيشـة قـضـّيتـُهـا *** فـنيـت لـذّاتهـا ، والإثـمُ حــلْ
واترك الغادة ، لا تحفل بهـا *** تُمسِ في عـزّ رفـيع ، وتُجَـلْ
فالطغرائي يدخل علينا بالأمر : اعتزل ودع واترك ولاتحفل .. والأمر
الكثير منفـّر، لا أرتاح له . ويطلب إلينا أن نعتزل النغم والشدو ، وهو سجية من
سجايا الإنسان التي جبل عليها ،، وربما أراد التخفيف منها لا تركها بالكليّة ،
إلا أنه – برأيي لم يوفق في ذلك .. كما أنه يأمر بنسيان الماضي – أيام الصبا
والجمال – ومن منا يرضى أن ينسى أحلى أيام حياته – الشباب - ؟ وعلام ينساه ،
والشباب جنة الحياة ونسغها النضير المتفجر بالحيوية والقوة ؟! وهل الحياة إلا
ذكرى وحاضر ومستقبل ؟ ولا يقوم الأخيران إلا على الماضي .. ولئن أفل الماضي إنه
ليعيش فينا ، ونتنسمه مسكاً وريحانا .
ومن قال إن الإثم ملازم أحلى أيام قضيناها ؟! وهل بالضرورة أن يكون السعد بما
يغضب الله تعالى ؟! إنها لأفكار شيطانية لا يقول بها إلا من انغمس شبابـَه
بالأخطاء ، فلما كبر وعقل ذهبت النشوة وجاءت الحسرة ، وقد كان حياتنا في صبانا
طيبة النشر عبقة الرائحة ، ولم يكن فيها إثم بفضل الله ورعايته ، إنما كانت في
مرضاة الله وطاعته ، ولئن ذهبت لذات الشباب إن للكهولة والشيخوخة وكل مراحل
الحياة لذاتٍ خاصة بها ، تناسبها ويسعد الإنسان بها . ولو ذهبت اللذات كما
يدّعي الطغرائي لانقلبت حياة الناس جحيماً . ولطلبوا الموت
وعلى هذا تراه يطلب التحول عن الغادة وعدم الاهتمام بها ، وكأن اللذات عنده
مادية فقط ! ولمَ لا تكون الزوجة – مثلاً – غادة الرجل ؟ ولماذا ينصرف الرجل عن
المرأة الصغيرة أو الكبيرة مادام يرى في نفسه الرجولة ؟ أليس في سيرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم منارات وقدوة في كل مناحي الحياة
؟! .
وتعال معي إلى أبياته التالية تخجل من التصوير الذي رسمه للغلام الأمرد في غير
موضعه ، وسمّه إن شئت تكلفاً ولزوماً من الشاعر لا يلزم :
والـْـهُ عـن آلـة لـهــو أطـربـتْ *** وعن الأمـرد مـرتجّ
الكفـلْ
إن تبَدّى تنكسف شمسُ الضحى *** وإذا ما ماس يُزري بالأسلْ
زاد إن قـسـنــاه بالـبـدر ســنــا *** أو عدلنـاه بغصن فـاعتـدل
فهو يسمح لنفسه أن ينظر إلى ارتجاج كفل الفتى فيصوره ، وإلى صباحة
وجهه الأمرد ، وجعل جماله يفوق الضوء الشمس ، وميلانه في مشيته ممشوقاً يزري
بليونة الرماح النضرة ، وهو أجمل من القمر.. و .. صور مبتذلة تثير التقزز ،
وتقدح بالمعنى الذي يتلوه مباشرة :
وافتكـر في منتهى حسـن الذي أنت تهـواه تجد أمراً جـلـلْ
قد انتقل من الأسود إلى الأبيض مباشرة ، فأحرق الصورة الثانية بما أثار من
شهوات في الصورة الأولى .
لم أكن أخالف صاحبي كثيراً فيما قاله ، فنحن من مدرسة نقدية واحدة ، وكثيراً ما
سمع مني وسمعت منه ، فكنا متقاربين في النظرات ، نتغاضى عن ثانويات ما نختلف
فيه .
قلت هات ، فأنا مصغ إليك .
قال : ويقول الطغرائي في الدنيا :
اطـرح الـدنـيـا فمن عـاداتهـا *** تخفض العالي وتعطي من سفلْ
كم جهـول بات فـيهـا مكـثـراً *** وعــليـم بـات مـنهــا فـي عـلـلْ
فـاتـرك الحيـلـة فيهــا واتـئـد *** إنمـا الحـيـلـة في تـرك الحـيــلْ
فالشاعر الطغرائي يرى الدنيا على حقيقتها ، ويعلم أن الرزق مقسوم
، وليس للذكاء و" الفهلوية " دور في الحصول على الرزق ، والله تعالى يقول " وفي
السماء رزقكم ، وما توعدون " ويؤمن بقوله تعالى " إن الله يرزق من يشاء بغير
حساب " فيطلب الشاعر أن ندع الاهتمام بتحصيل المال ونبتعد عن التحايل له .
قلت : ثم ماذا؟
قال : يقول الشاعر بعدها :
اكتـم الأمريـن فـقـراً وغنى *** واكسب الفلس وحاسب من بطلْ
فنصح بالعمل والبحث عن المال !
قلت لم يتعدّ أن فعل ما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم .
قال كيف ؟
قلت : ألم يأمر الشاب الذي طلب مساعدة - ورآه جلداً- أن يحتطب ، وقال صلى الله
عليه وسلم " لأَن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل ، فيأتي بحزمة من حطب على
ظهره ، فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطَوه أو منعوه
"
ثم اقرأ ما قاله متألماً من عصره ومن أيامنا هذه - لو كان حياً – إذ رأى الناس
يعظمون صاحب المال ويقدمونه على الفقير :
غيـر أني في زمان من يكن *** فيـه ذا مـال هـو المولى الأجـلّ
واجب عنـد الـورى إكرامُـه *** وقـلـيــل المـال فـيهـم يُســتـقــَلّ
ثم يعلن ما ينبغي أن يكون بحق : أن صاحب الفضل لا يعيبه قلة المال
أبداً :
لا يضر الفضـلَ إقلال كمـا *** لا يضر الشمس إطبـاق الطفـلْ
قال صاحبي : لم أكن أقصد التعالم أو النيل من الشاعر رحمه الله ،
فحسبه كرامة أن أجرى الله تعالى قصيدته هذه بين الناس ، فعرفها القاصي والداني
على مر القرون ، وأفادوا منها ، إلا أنني أتساءل ليس غير وأريد الوصول إلى الحق
.
قلت هات غيرها يا صاح ،
فقال : ينهى الشاعر الناس أن يفخروا بجدودهم وأصولهم ، ويحضهم على الاعتماد على
أنفسهم كي لا يكونوا خاملين فيقول :
لا تقل : أصلي وفصلي أبداً *** إنما أصل الفتى ما قد حصل
قد يسود المرء من غير أب *** وبحسن السبك قد ينفى الدغل
قـيـمـة الإنـسـان ما يحـسنـه *** أكثـرَ الإنـسانُ مـنـه أو أقــَلّ
ثم تراه بعد ذلك يفخر أنه من نسل الصديق رضي الله عنه فيقول :
غـيـر أني أحمد الـلـه عـلى *** نسـبي ، إذ بأبي بكـر اتصلْ
قلت لا ضير أن يعتمد الرجل على نفسه ، ثم يحمد الله تعالى أنه
ينتسب إلى رجل عظيم كالصديق رضي الله عنه ، فيكون قد جمع بين الحسنيين ، العمل
الصالح والنسب الأصيل .
ثم رأيت صاحبي ينظر إليّ بعين العتب ، فقلت : مالك ؟
قال : شكوتُ من بعض الأفكار ابتداء وظننت ُ أنها غير ناضجة ليس إلا .
قلت : أبقي شيء ؟
قال : نعم ، واحدة .. ترى الشاعر ينصح ، ونصائحه رائعة ، إلا أنه يفخر بنفسه
ويعتد بها مع تحد واضح ، وهذا من الناصح المعلم ممجوج ، كقوله :
أنـا مثـل المـاء سـهـل سـائغ *** ومتـى أســخـَنَ آذى وقـتــلْ
أنا كالخيـزور صعب كسـرُه *** وهْـو لـَدنٌ كيفما شئت انفتل
قلت : لا تنس يا صاح أن من نصائحه التي أعجبتنا أن يحني الإنسان
رأسه للإعصار القوي المدمر ليسلم منه ، ينحني لا عن ذل وضعف إنما عن حكمة وتبصر
حين قال :
جانب السلطان واحذر بطشه *** لا تعـانـد مَن إذا قـال فعـلْ
ومن ذلك مداراة السفيه وعدم مصادمته والصبر عليه ، أو الانتقال
عنه دون مشاكل :
دار جار السوء بالصبر وإن *** لم تجد صبراً فما أحلى النقلْ
فلربما ظن قارئ القصيدة ومن سمعها ضعف الشاعر وخوره ، فهو ينفي
عنه ذلك ، ويؤكده قولُ المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه " ليس الشديد بالصّرَعة
، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب . " ألم يصبر الرسول صلى الله عليه
وسلم وهو بطل الأبطال على أذيَة قومه ، وإساءاتهم ؟ فلا بد من الصبر على الحياة
والناس بقوة وحكمة وشجاعة ...
|
مع " لامية العجم " للطغرائي رحمه الله تعالى |
يسرا الجزائريه- عضو فعال
- عدد المساهمات : 68
نقاط : 199
تاريخ التسجيل : 12/09/2011
منتديات الأجيال التعليمية :: ملتقى المراحل الدراسية :: منتدى أبناؤنا طلاب مصر فى الخارج :: قسم تعليم الدول العربية :: تعليم المملكة العربية السعودية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى